منذ أن تأسست قناة «الجزيرة»، كان واضحاً أن الدور الذي تقوم به ليس إخبارياً، بل وأبعد ما يكون عن مهنة الصحافة التلفزيونية بمفهومها السليم القائم على تقديم الحقائق للناس، سواء من خلال التقارير الإخبارية النزيهة أو من خلال الصحافة الاستقصائية المتجردة، وهذان عنصران مهنيان من أبرز ما غاب ويغيب عن شاشة الجزيرة منذ 1996 حتى اليوم.

مشكلة الجزيرة أنها منذ اليوم الأول تصرفت باعتبارها قناة غرض، لا خبر، وهو ما حوّلها بامتياز إلى قناة للبروباغندا، ومن يقرأ كتب ومقالات الإعلاميين الذين غادروا القناة وكشفوا خبايا العمل اليومي فيها، يفاجئه حجم وتنوع الأجندات التآمرية التي تسهم في صياغة الرسالة البروباغندية التي تظهر من خلال هذه القناة. لكن المشترك في هذه الأجندات هو عداؤها لمصالح الأمة، سواء على الصعيد الجمعي أو على الصعيد الفردي دولة بدولة، كأنما من يقف خلف هذه الأجندات لديه عداءٌ متأصلٌ في نفسه تجاه أي نهوض عربي وأي عمل جماعي عربي وأي نجاح عربي.

ولنأخذ مملكة البحرين مثالاً، فقد ناصبتها القناة العداء منذ البداية وفي مختلف مراحل تحولها السياسي والاقتصادي بل وفي مراحل الدفاع عن النفس ضد العمليات الإرهابية ومحاولات زعزعة الاستقرار، وكانت لغة التحريض هي السائدة، سواء في التغطيات الإخبارية أو البرامج الحوارية، دون مراعاة لمشاعر الأخوة وحرمة الجوار مع البلد المضيف للقناة، حتى إذا جاءت أحداث 2011 وما تلاها من مؤامرات وجدنا القناة تكشر عن أنيابها القذرة لتصفي كل الحسابات مع البحرين دفعة واحدة، خاصة مع إضافة القناتين الدولية «بالإنجليزية» والأمريكية اللتين استخدمتا كمنصة تحريض دولية ضد البحرين، حتى في الحالات التي كانت فيها القناة الناطقة بالعربية تضطر إلى إخفاء مستوى الحقد الدفين من باب التورية والتّقية.

ولعل الدور الخطير الذي قامت به القناة للترويج لسلسلة انقلابات 2011 وما تلاها من فوضى وخراب ودمار، مما بات يعرف اليوم باسم «الخريف العربي»، يمثل أخطر أدوارها على الإطلاق، وقد اعترف مديرها الحالي بدوره في التنسيق الميداني لتأسيس عدد من التنظيمات المسلحة «المصنفة الآن إرهابية» في كل من سوريا وليبيا، فهل يبقى بعد ذلك لبيب يعتقد أن هذه قناة إخبارية.

وبالطبع لا يخفى على أحد الدور الفاعل الذي قامت به قناة «الجزيرة» في الترويج للإرهاب وأساطينه ونظرياته المؤسسة، فهي التي قامت بالتحريض على الدول العربية ومؤسسات الحكم والترويج للنظريات التي تبرر الإرهاب تحت مسمى المعارضة، ثم ما تركت بعد ذلك بياناً لجهة إرهابية من ابن لادن إلى الجولاني إلا وبثته ونظمت الندوات للترويج له ومحاولة جعله محور نقاشات الناس واهتمامهم.

لقد عانت دول مجلس التعاون من هذه القناة أيما معاناة، ونعتقد أن خطوة حجب مواقع القناة في كل من السعودية والإمارات والبحرين هي خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها غير كافية وحدها ولا بد من خطوات إضافية مكملة، فدول الخليج ومعها حلفاؤها في مصر والأردن والمغرب وبالتعاون مع بعض الدول الأخرى تمتلك كلها حصة وازنة في مؤسسة عرب سات وبالتالي تستطيع إلزام إدارة المؤسسة بوقف بث قناة الجزيرة وما ماثلها من قنوات فتنة.

أما البث على سهيل سات، فأمره سهل، إما أن تلتزم الدولة المالكة بالاتفاقات الدولية الناظمة لبث الأقمار الصناعية على أراضي الغير وخصوصاً اتفاقية 1996، وإما أن تجابه بالتشويش المنظم والمتواصل، كما أن تركيز قناة الجزيرة على الترويج لأفكار تنظيمات إرهابية عديدة يمثل نقطة قوة قانونية لمنع بث القناة على الأقمار الأوروبية والآسيوية التي يمكن استقبالها في منطقتنا. مع التذكير هنا أن البلد الذي تبث منه هذه القناة المسمومة لا يسمح بأطباق استقبال الأقمار الصناعية ويفرض الاشتراك في قنوات الكيبل للتحكم في القنوات التي يمكن استقبالها.

علينا أن نقطع دابر الشر، وما اقترحناه هنا من خطوات عملية ضرورة طال تأجيلها وندعو حكومات دول التعاون للمبادرة في هذا الشأن قبل أن يفوت الأوان، فهذه حديقة أفاعٍ سبق أن أطلقت دفعة أولى من أفاعيها وتوشك أن تطلق الدفعة الثانية وقد حان الوقت أن نقطع رؤوس هذه الأفاعي صغيرة كانت أم كبيرة.

حمى الله البحرين ودول الخليج وشعوبها، وحمى الله أمتينا العربية والإسلامية من شرور المتآمرين والحاقدين.