أحمد.. مدير إدارة، في كل سنة يحرص على أن يأخذ إجازته السنوية في رمضان، إلا هذه السنة، لم يتمكن من ترتيب الأمر، ومع الأحد الماضي، تكون قد بدأت أصعب أيام حياته الوظيفية. رغم أنه رتب بعض الأمور بأخذ إجازات مرضية طبقاً لما يسمح به القانون وإجازات طارئه وتأخير الدوام ليستخدم مفهوم الدوام المرن فيستطيع الموظفين التأخر وتعويض ذلك إما بتمديد ساعات العمل لما بعد نهاية الدوام الرسمي أو بتجميعها لما بعد رمضان شرط أن يتم تعويضها خلال 3 أشهر «كانت هذه فكرة عبقرية ناضل من أجل أن يحصل على الموافقة عليها».

قام أيضاً بترتيب أمر الاجتماعات بتفويض رؤساء الأقسام للقيام بها أو تأخيرها لقبل صلاة الظهر بنصف ساعة، حتى يضيع وقت الاجتماع ويضطر لتأجيله إلى ما بعد رمضان. كان سعيداً جداً بإقناع بعض أصدقائه وزملائه المدراء ممن هم في نفس مستواه الوظيفي وأعلى منه بأن يحصلوا في العشر الأواخر من رمضان على إجازة يسافرون فيها إلى مكة المكرمة للعمرة والعبادة، ورتب لهم من خلال علاقته مع إحدى شركات السفر والسياحة عرضاً خاصاً مغرياً لهم ولم يكن لديه مانع إن تطلب الأمر أن يدفع نسبة من التكاليف لجعل الأمر أكثر جاذبية لهم.

في هذا الشهر قرر أيضاً أن يبدأ ممارسة متقدمة في الإدارة لطالما ألمح إليها مدراؤه وبعض موظفيه المتميزين «الذين تركوه» تحت شعار «هل أنت قائد»، بالتخلي عن مركزيته وتفويض صلاحياته للعديد من موظفيه مع حق متابعة نتائجها وتصحيحها إذا لزم!

أحمد مدير صارم ومركزي، ولكن كل هذه الترتيبات التي تتناقض مع نمطه الإداري هدفها تكييف الأوضاع من حوله لتتناسب مع ضعفه في مواجهة نوازعه الشخصية ورغباته التي كان يفرضها عليه شهر الصيام بالتخلي عنها وكان معتاداً أن في سنواته الماضية أن يمضي ليله كله في السهر حتى مطلع الفجر، يصلي ثم يخلد إلى بيات رمضاني فيستيقظ قبل صلاة العصر بوقت وجيز يكفي ليصلي الظهر، ويمضى بقية صيامه في مجلسه وحيداً بعيداً عن أسرته لكي لا يصدمهم بالطابع الصعب العصبي لمدخن مدمن ومحب شره للطعام وشرب القهوة، لم يحاول التخلص من عاداته المنغمس فيها لأنه كيف كل الأوضاع من حوله لتناسبه، هذه هي طبيعة شخصيته لا يتنازل عن رغباته وميوله بل يكيف كل ما هو حوله ليناسبه.

غداً سيواجه امتحاناً عسيراً جداً خاصة إذا انهارت بعض ترتيباته، فعليه التمتع بقدرة عالية جداً على ضبط النفس ولجمها للتعامل مع بيئة عمله ومحيطه المهني من موظفين ومدراء ورؤساء أقسام وزبائن من الخارج والداخل، وضغوط العمل المتوقعة دون أن يدمر ما أنجزه خلال السنوات الماضية.

بكل تأكيد، القيادة هي فن التأثير وتوجيه العقول والقدرة الفائقة على تجميع الهمم والتغيير إلى الأفضل. ما الذي يجعل أي إنسان قائداً حقيقياً وأصيلاً، لن يولد القائد الذي بداخلك أو يخرج للحياة إذا لم تكن قادراً على قيادة نفسك أولاً قبل الآخرين. أول خطوة لذلك هي قدرتك على ضبط نفسك ومحاكمة تصرفاتك ولكي تفعل ذلك لا بد أن تزرع في ذاتك القدرة على مراقبة تصرفاتك لا بد أن تدخل في ذلك الحوار العميق مع ذاتك، وأن تلتحم معها في صراع صعب، مستخدماً مرجعية أخلاقية تحاكمها على أساسها، ولن تجد مرجعية وبوصلة أفضل من كتاب الله «القرآن»، ولن تجد أداة أفضل من الصيام لذلك.

تمنياتي لكم بصيام مبارك.. زاخر وثري في حواركم مع أنفسكم، ولأحمد أن ينقلب على نفسه، ويصبح قائداً حقيقياً.

* استشاري ومطور أعمال وقدرات بشرية