باتت ممارسة العنف داخل الأسرة وإبراز القيم والسلوكيات السلبية في المجتمع من اعتداء وعنف لفظي وجسدي سمة بارزة تعكسها المسلسلات المحلية التي تعرض في شهر رمضان المبارك، وتعالت أصوات الكثيرين ورفعت شعارات التنبيه والتحذير من مخاطر ما تطرحه كثير من هذه الأعمال وضرورة منع هذه المسلسلات التي تسلط الضوء على بعض السلوكيات السلبية والتي قد تكون فردية داخل الأسرة حتى لا تستفحل وتصبح داءً مجتمعياً.

ورغم تعالي هذه الأصوات برفض مثل هذه المسلسلات، وأنا منهم، منوهين بالآثار السلبية التي تخلفها هذه المسلسلات التي تؤثر سلباً على صعيد الأسرة وسلوك الشباب والأطفال واتجاهاتهم ونظرتهم للحياة والعلاقات الأسرية ومن ثم تؤثر بالسلب علي ترابط الأسرة وتماسكها، إلا أن الأجراس تقرع ولا تسمع، ومازالت المسلسلات التي تسلط الضوء على السلبيات في المجتمع مستمرة ظناً منها أنها تواجه مشكلة مجتمعية في محاولة لحلها ولكن هل استعراض العنف داخل الأسرة يعد جرأة في العمل الدرامي باعتبار أنه يعكس الواقع المسكوت عنه لحله أم إنه غرس وتأصيل لهذه السلوكيات بشكل غير مباشر لممارسة العنف بكافة أشكاله الجسدية واللفظية داخل الأسرة ومن ثم داخل المجتمع؟

أرى أن الدراما ينبغي أن توظف بشكل صحيح، بحيث يتم إلقاء الضوء على الإيجابيات، فالمفروض أن تكون الدراما وسيلة لغرس المفاهيم السليمة عن الأسرة، كما إن العنف عندما يخرج من المسلسل تجاه الأطفال والنساء، وخصوصاً أن هذه المسلسلات تكون عادة في وقت الإفطار إذ تتجمع العائلة كلها لمشاهدته، فيرسخ في ذهن الأطفال مثل هذا السلوك باعتباره السلوك السائد فيكبر الطفل وقد طبع في ذهنه هذه الصورة عن الزواج وبالتالي تدخل هذه السلوكيات في تكوينه وصياغته، فيتمثلها عندما يؤسس أسرة بطريقة لا شعورية وهذا يؤكد أن الدراما التي تسلط الضوء على المشاكل وتبث المضامين السلبية ترسخ صورة مغلوطة للقيم الأسرية وتؤثر سلباً في المجتمع مستقبلاً، إذ إن الأسرة هي الخلية التي يتكون منها كيان المجتمع وإذ بنيت على مفاهيم مغلوطة والعنف احد سمات أفرادها سواء الأب أو الأم يكون له أثر كبير في تهديد المجتمع كله.

إن المسلسلات هي أكثر الأعمال الفنية قرباً من الأسرة فهي تدخل كل بيت بعكس السينما التي نذهب نحن لمشاهدتها في أوقات متباعدة، فالمسلسلات هي مرآة عاكسة للمجتمع وأداة قادرة علي تغيير ثقافة الأسرة والمجتمع بأكمله، من خلال تغير فكر وغرس السلوكيات التي تتماشي مع الأخلاق والقيم المجتمعية الحميدة، نتمنى أن نرى مسلسلات اجتماعية تقدم مضمونا إعلاميا هادفا ومفيدا تكون ذات تأثيرات إيجابية على الجانب الاجتماعي، تقدم قدوة ومثلاً أعلى يقتدى به الأطفال والشباب وتسهم في تأصيل الهوية لا تشويشها، وتسعى لحل مشاكل الأسرة، ولعل المسلسل الكويتي القديم «إلى أبي وأمي مع التحية» أحد المسلسلات الرائعة التي تعالج مشاكل الأسرة بشكل هادف وشيق وترسم صورة إيجابية لطريقة التعامل مع المشاكل الأسرية اليومية، ومن الأعمال التي لها بصمة ولاقت الاستحسان لدى الكثيرين فهو مسلسل ألتف حوله العديد من أفراد الأسرة لمشاهدته والاستمتاع به لأنه تطرق إلى مشاكل الأسرة بشكل تربوي راقي واستطاع أن يغطي أغلب المشاكل التي تواجه الأسرة بشكل يومي في تربية الأبناء وعلاقة أفراد الأسرة بعضهم ببعض، كما تناول المشاكل التي تواجه الأبناء في جميع المراحل، أورد هذا المسلسل كمثل إلا أن المسلسلات الخليجية الاجتماعية الناجحة التي تحقق أهدافها دون أن تترك آثاراً سلبية على المجتمع كثيرة، لذا فإننا نطالب بمزيد من هذه المسلسلات التي تبرز وتعزز الجانب الإيجابي في الأسرة وتربي الأجيال حول المفاهيم السليمة للأسرة والأساليب التربوية التي يمكن من خلالها أن يواجهوا مشاكلهم مستقبلاً، وأخيرا نقول إن الأعمال التلفزيونية بصورة عامة والمسلسلات بصورة خاصة يجب أن تحمل «الكلمة الطيبة» التي شبهها الخالق سبحانه وتعالي في كتابه الحكيم بالشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها، فالكلمة الهادفة والنصيحة الحسنة والتي تعرض وتقدم بشكل صحيح تسهم في بناء المجتمعات وتنميتها، فلنقرع الأجراس مرة أخرى، فهل من مجيب؟