ومن متابعة بعض أنشطة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، يلمس المرء طبيعة فكره الإبداعي في المبادرات السابقة. وأضيف لذلك أمرين أولهما مجلس سمو ولي العهد الأسبوعي، حيث يلتقي مع كثير من السياسيين والمفكرين والخبراء، بل وعامة الناس، ومجلس سموه يمتاز بسهولة الوصول إليه والمشاركة فيه. وهذا ما جعلني أكثر تقديراً وانبهاراً بأنشطة سمو ولي العهد ومجلسه الأسبوعي الذي يكاد يكون شبه مفتوح وثانيهما دور سمو ولي العهد في مجالس رمضان المبارك حيث يتحول من مستضيف إلى ضيف ليتعرف على المجتمع ومشاكله وقبائله وعادات وخصائص كل منها في حرصه على زيارة كافة المجالس الرمضانية والتعرف المباشر على مشاكل المجتمع. وقد التقيت بسموه بالمصادفة في بعض تلك المجالس وراقبته عن كثب كما التقيت بسموه في مجلسه الأسبوعي المفتوح والذي أكثر انفتاحاً من بعض المجالس الأخرى.

ما أريد أن أخلص إليه هنا أن سمو ولي العهد يجمع في ثقافته وتربيته بين الحداثة والتقاليد وهذا يذكرني بكلمة للرئيس الصيني الأسبق جيانج تزمين في مقابلة مع الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الذي زار الصين أثناء وجودي سفيراً لمصر فيها وكانت الجملة المفتاح التي لا أنساها هي قوله «إن الغربيين واهمون في تفكيرهم لتغيير النظام الصيني. إن لدينا تقاليد ونحن نربي الكوادر عبر السنين ولا نأتي بقيادة عبر الانتخابات والمهاترات التي تحدث في أمريكا أو غيرها من الدول الغربية» وأضاف قوله «إنني أنام ملء جفوني كل ليلة وأنا أعرف أن هناك نائباً للرئيس، كما أنني أسافر لدول أخرى وأنا مطمئن على الوطن بقدرة النائب «خوجنتاو» على مواجهة التحديات على خير وجه، والقائد لدينا يتم تدريبه على فن إدارة الحكم لعدة سنوات وعندما يتسلم السلطة يكون قد أصبح نموذجاً واعياً ومدركاً لتعقيدات السياسة والاقتصاد والمجتمع».

هذا النموذج الفريد في تربية الكوادر يكاد يتطابق مع النظام الثلاثي للقيادة في البحرين. فالنظام الصيني ثلاثي القيادة العليا المتمثلة في الرئيس ثم رئيس الوزراء ثم نائب الرئيس الذي سيصبح رئيساً في حينه. وكل إنسان يأخذ دوره بحكم القانون والدستور والنظام السياسي ولا يتعدى أي منهم على الآخر أو يلغي أي شخص دور الآخر فالتناغم هو فلسفة النظام الصيني والنظام البحريني.

ولاحظت أن التواضع الجم أهم سمات سمو ولي العهد في لقاءاته وأحاديثه مع من يلتقي بهم. ومحدودية الروتين البروتوكولي والأمني الذي يحيط به، فلا ينعزل عن الجماهير والأسر والعائلات التي تكون المجتمع، هذا النظام القائم على التواصل والتفاعل المباشر، هو أقرب لنظام الحكم في أثينا القديمة بالديمقراطية المباشرة، كما كان النظام السياسي في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين هو أقرب للديمقراطية المباشرة وهو ما يصعب تطبيقه في الدول الكبيرة مساحة أو سكاناً. فعندما توسعت الدولة الإسلامية وتحولت الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض فانعدمت الديمقراطية وتحولت للنظام الاستبدادي والصراع داخل الأسرة الحاكمة والعجز عن مواجهة التحديات الخارجية فهزمت الدولة الأموية على يد «أبي مسلم الخراساني» وهزمت الدولة العباسية علي يد المغول وأخفقت الدولة الفاطمية لكونها ثيولوجية مرتبطة بالشخص أكثر من ارتباطها بالقيم والمبادئ الإسلامية الصحيحة، وتحولت الدولة العثمانية إلى إمبراطورية مستبدة ومستعمرة اضطهدت العرب ونهبت ثرواتهم، ثم تدهورت وتحولت لما وصفه الأوروبيون بأنها رجل أوروبا المريض.

وأعيد التأكيد هنا على أن حكمة النظام في البحرين عبرت عن ثلاثة أمور، فلسفة التناغم، والقيادة الثلاثية، والتفاعل مع الشعب ورعاية مصالحه. وهذا أدى إلى استمرارية النظام وقوته وصلابته.

تلك بعض تأملات في النظام السياسي البحريني ودور سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة وتناغم الادوار وتكاملها بين القيادة السياسية. وختاماً أقول، حفظ الله البحرين ومصر وسائر بلاد العروبة والإسلام وهداهم للأخذ لخدمة شعوبهم حتى لا نواجه مرحلة أخرى من دمار «الربيع العربي» المزعوم وتآمر الأعداء وأحياناً تآمر من بعض دولنا العربية ضد بعضها بعضاً.