لعلها المرة الأولى في التاريخ التي تقوم فيها ست دول بقطع علاقاتها كلها، ومن ضمنها العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، مع دولة أخرى مرة واحدة، في وقت واحد، وببيان يكاد يكون واحداً. ولكن ما الذي يمكن فعله غير ذلك بعد 22 عاماً من الصبر على أذى الشقيق الذي أعجبه دور الشقيق الشقي فتقمصه في حياته اليومية بدلاً من تمثيله.

ليست قطر عدوتنا، ولن يكون أبناؤها أعداء لنا، فهم منا وفينا ومن دمنا ولحمنا، لكن مؤسسة الحكم القطرية وشركاءها في الفتنة أوغلوا في الضلال وتجاوزا كل الحدود، لذلك كان لا بد من هذا الإجراء العلاجي، بعد أن فشلت كل الإجراءات الوقائية، ليس خلال الأسبوعين الماضيين وحدهما، بل على مدار السنوات الـ22 الماضية وحتى اليوم.

ولعل المغزى الأكثر دلالة في كل ما حصل صبيحة الإثنين هو قرار قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن بإنهاء مشاركة القوات القطرية، وهي أصلاً كانت مشاركة رمزية في حدودها الدنيا، وقد حظي هذا القرار بتأييد الحكومة الشرعية اليمنية، ذلك أنه إذا كنا قد تحالفنا في عاصفة الحزم وإعادة الأمل على أن نبذل الغالي والرخيص دفاعاً عن الشرعية في اليمن الشقيق ولطرد الميليشيات الانقلابية المدعومة عسكرياً ومادياً من إيران، فإنه يكون عندها من نافلة القول أن من يخرق هذا التحالف باستمرارية التواصل مع الميليشيات، وتعزيز التعاون مع أربابها في طهران لن يكون عضواً فاعلاً هذا التحالف وإنما سكيناً في ظهر الدول المشاركة فيه.

وأعتقد أن هذا الوصف يلخص واقع الحال في بقية الملفات أيضاً، فمخالفة التحالف السياسي لدول مجلس التعاون الذي يقتضي تطوير علاقات تحالف طبيعية واستراتيجية وإعطاء الأولوية للمصالح المشتركة، وإلا فما معنى وجود مجلس التعاون من الأساس إذا كانت كل دولة ستعمل ضد البقية بحجة استقلالية الرأي أو إذا كانت كل دولة سيكون لها رأي مخالف في القضايا التي يواجهها المجلس وغير ذلك من قضايا ومواقف.

كما أن مبادئ الأخوة وحسن الجوار التي أصبحت اليوم عرفاً مستقراً في العلاقات الدولية تستوجب احترام الكثير من المبادئ مما تنكرت له الدوحة، سواء من حيث عدم استضافة وحماية مطلوبين للأنظمة القضائية، أو توجيه هجمات إعلامية ضد الدول الشقيقة المجاورة، أو المساعدة في تسلل أشخاص عبر الحدود إلى الدول الجارة، عدا عن دعم الأعمال الإرهابية والإجرامية التي تستهدف هذه الدول.

وما حصل يوم الإثنين هو إعلان عملي أن مرحلة «حب الخشوم» والمجاملات السياسية البروتوكولية انتهت، فالأذى القطري بلغ مرحلة لم يعد ممكناً السكوت عليه بعد اليوم، ومعروف أن دول الخليج في العادة لا تسارع إلى قطع العلاقات الدبلوماسية إلا كخيار أخير عندما لا يبقى خيار دبلوماسي غيره، فكيف إذا كنا نتحدث عن دولة خليجية جارة وشقيقة. هذا يعني بوضوح أننا تجاوزنا بكثير مرحلة الخيار الدبلوماسي الأخير.

صحيح أن قرارات الإثنين وما تبعها من إجراءات تنفيذية تمثل بشكل أو آخر فرضاً لعقوبات اقتصادية مشددة على الحكومة القطرية، وصحيح أنه تلوح في الأفق حزمة أخرى من العقوبات المشددة المدروسة بعناية، لكن الأصح من هذا وذاك أن قطر تبقى بالنسبة لنا الجار والشقيق الذي مهما أساء لنا، ومهما بلغ عتابنا له، فإنه يبقى الأخ والشقيق، ونقصد هنا بالتحديد أبناء الشعب القطري العزيز الذي لا نحمله مسؤولية تصرفات حكومته، ونريد منه أن يدرك حقيقة واحدة أننا في المحصلة مضطرون لحماية أمننا الوطني تجاه تصرفات وتحالفات الحكومة القطرية.

أما ما بعد الآن، فالكرة في مرمى حكام قطر وعائلتها الحاكمة، ونعتقد أنهم أكثر الناس معرفة بكيفية حل هذه المشكلة، وما عليهم سوى التعامل بمسؤولية بعيداً عن «ركوب الراس»، وتقديم المصلحة الخليجية المشتركة على المصلحة الفردية القطرية، ولاحظوا أنني لم أتحدث عن مصلحة السعودية أو الإمارات اللتين تحاول وسائل الإعلام القطرية تصوير الأمور وكأنهما تحاولان فرض الوصاية على قطر، لا أيها السادة فالواقع هو تقديم المصلحة الخليجية المشتركة وليس رأي دولة واحدة فقط.

إن تورط قطر في تمويل ودعم واستضافة الإرهاب، والتحالف مع الخطر الوجودي على الخليج، والعبث بأمن دول عربية شقيقة وحليفة كل ذلك يجعل من الحكومة القطرية خطراً وجودياً وقنبلة موقوتة تهدد أمننا الجمعي في الخليج بما في ذلك أمن قطر نفسها. فهل يجوز بعد ذلك أن نبقى مكتوفي الأيدي أم أن الواجب يقتضي التصرف والمبادرة لوقف ذلك؟

خلاصة القول: قرارات الإثنين كانت إجراءات دفاعية علاجية وأتمنى أن تكون هي آخر العلاج، حتى لا يكون آخر العلاج... الكي!