اتسع الغضب العربي والدولي من السياسات القطرية الداعمة للإرهاب ومواقفها التحريضية على الفتن والتخريب في دول المنطقة، فهو يتصاعد يوما بعد آخر، حيث وصل عدد الدول التي قررت معاقبة قطر على جرائمها بحق شقيقاتها وأمتها والعالم كله خلال 48 ساعة فقط إلى 12 دولة حتى الآن، هي مملكة البحرين، السعودية، الإمارات، مصر، ليبيا، موريشيوس، جزر المالديف، اليمن، وموريتانيا، والأردن الذي قرر خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع قطروإلغاء تراخيص مكاتب قناة «الجزيرة» والمغرب الذي قرر وقف رحلات الطيران من وإلى قطر، والفلبين التي قررت منع مواطنيها من السفر إلى الدوحة.

كما اتخذ الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب" موقفاً قوياً من العبث القطري، حيث عبر عن دعمه للإجراءات التي اتخذتها دول عربية وإسلامية في حق قطر، وأكد أن عزل قطر يشكل بداية نهاية الإرهاب، موضحاً أن "كل الدلائل تشير إلى قطر في تمويل التطرف الديني"، و"أن بلاده عارضت خلال قمم الرياض قيام قطر بتمويل أي من المنظمات الراديكالية".

إن هذا الغضب الخليجي والعربي والدولي الذي تتسع دائرته يوماً بعد يوم يمثل إدانة دولية للممارسات القطرية السيئة بحق جيرانها وبحق أمتها وبحق العالم كله، في ظل إصرارها على التمادي في السياسات الكارثية التي تنتهجها، لدعم الإرهاب والجماعات المتطرفة، ودعمها لمخططات إيران في المنطقة، واتخاذ مسلك معادٍ لدول المنطقة، وقد فشلت كافة المحاولات لإثنائها عن هذا الطريق الذي يهدد الأمن الخليجي والعربي والدولي، وأصبحت تواجه عزلة دولية حقيقية مع هذا الرفض العالمي الكبير لسياساتها.


كما يؤكد هذا الغضب الدولي أنه قد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى من تصرفات قطر التي جلبت الخراب والدمار للعديد من الأقطار العربية، وزعزعت الأمن والاستقرار في العالم، خاصة دورها في جريمة إشعال الاضطرابات في المنطقة، حيث وضعت إمكاناتها في خدمة أعداء الامة، ولتنفيذ مخططاتهم في تدمير أقطار عربية، وهو المخطط الذي انتهي بوقوع العديد منها في مستنقع الحروب الأهلية والطائفية.

إن قطر وخلال ما يزيد عن 21 عاماً سلكت كل السبل من أجل التدخل في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي وعدد من الدول العربية وفي مقدمة تلك الممارسات دعمها للجماعات الإرهابية المسلحة خاصة المرتبطة منها بإيران مادياً وإعلامياً من خلال ذراعها الإعلامي الخبيث قناة "الجزيرة"، منتهكةً بذلك كافة الأعراف والمواثيق الدولية، وناكثة للعديد من تعهداتها من خلال هذه السياسات التي ضاق العالم العربي بها ذرعاً.

لقد وضعت السياسة القطرية المتهورة القائمة على نقض العهود والتناقضات والقرارات المضطربة غير محسوبة العواقب، قطر في هذا الموقف لتعيش عزلة خليجية وعربية وإقليمية غير مسبوقة لتجني نتاج ماغرسته طوال السنين الماضية، مستغلة صمت وحكمة وأشقائها الذين طالما صبروا على خروجها عن الصف الخليجي وتحملوا الكثير في سبيل الأمل في عودة الدوحة إلى رشدها وانتهاء هذه السياسات التي تنتهجها دون جدوى، لذا كانت وجاهة القرار المسؤول الذي اتخذته مملكة البحرين وشقيقاتها السعودية والإمارات ومصر وباقي الدول العربية والإسلامية التي لحقت بها وأعلنت مواقفها من العبث القطري.

لقد كان اتخاذ موقف حازم من قطر ضرورة اقتضتها المصالح الوطنية والقومية، وهو ما برز في البيان البحريني الذي أعلنت فيه المملكة عن قطع علاقاتها مع قطر وما تبعه من بيانات من دول خليجية وعربية ودولية شقيقة وصديقة كانت شافية وواضحة ومجيبة على كل التساؤلات حول حقيقة مايجري في المنطقة والأدوار الخفية الخطيرة التي تمارسها قطر ضد أشقائها، وخاصة خطوتها بالتقارب مع إيران التي كانت أبلغ دليل على أن التجاوز القطري قد بلغ مداه، هذا التقارب الذي كان في الخفاء والآن تجاهر به قطر في وجه شقيقاتها من دول المجلس بل وفي وجه العالم الذي يعتبر إيران دولة إرهابية منبوذة وخارجة عن القانون الدولي.

وها هي قطر تواجه غضباً أمريكياً أكده دعم الرئيس ترامب للموقف الخليجي من قطر، كما برزت أصوات مؤثرة ولها ثقلها في الولايات المتحدة تطالب بمعاقبة قطر على تجاوزاتها العديدة وأهمها دعمها للإرهاب مؤكدين أن الولايات المتحدة لديها وثائق وأدلة كافية على أن قطر دعمت داعش وجبهة النصرة بالأموال والأسلحة، وتمويل وعقد الصفقات مع المنظمات الإرهابية الأكثر إجراماً، والأكثر انخراطاً فى الإرهاب، والتى يتكتل العالم بأجمعه لمحاربتها، وهو ما يجعل من دولة قطر واحدة من منظومة الدول الخطيرة التي لا يمكن لأحد أن يقبل التعامل معها.

وأقامت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومعهد هدسون ومركز جامعة جورج واشنطن للأمن الوطني والسيبراني ندوة الأسبوع الماضي بعنوان «قطر والمنظمات التابعة للإخوان المسلمين والسياسات الجديدة للإدارة الأميركية»، انتقد المشاركون فيها ومنهم برلمانيون وساسة كبار قيام قطر بتمويل جماعات إرهابية، وطالبوا بوقف دعمها لجماعة الإخوان المسلمين.

وطالب وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت غيتس، إدارة الرئيس ترمب، بالضغط على قطر لوقف سياساتها المستمرة منذ عدة سنوات بمساندة بعض الجماعات الإرهابية بما قوض في بعض الأحيان مصالح الولايات المتحدة.

وأكد مسؤول سابق فى وزارة الدفاع الأمريكية مايكل روبين، على أن معاقبة قطر أصبحت فى النطاق السياسى السائد والمطروح فى العاصمة الأمريكية، مشيراً إلى أن هناك دعوات من بعض الجمهوريين لتصنيف قطر على لوائح الإرهاب، مضيفاً في حديث لصحيفة الرياض السعودية أن إنشاء قاعدة أمريكية (قاعدة العديد) فى قطر كان خطأً فادحاً قامت به أمريكا، لأنها أقنعت السلطات القطرية بأنها تستطيع أن تفعل ما يحلو لها لاقتناع القادة القطريين بأن الأمريكيين لن يغادروا القاعدة إلا أن هذا غير صحيح.

وتابع روبين: "قطر فعلت ما فعلت من معارضة للخط الخليجي والعربى لتشعر بأهميتها، ولولا البيروقراطية والدبلوماسية لصنفت قطر فى واشنطن كداعمة للإرهاب، ودعوات بعض الجمهوريين لتصنيف قطر على لوائح الإرهاب لن تأتي ثمارها بسرعة، إلا أن معاقبة قطر أصبحت فى النطاق السياسى السائد والمطروح فى العاصمة الأمريكية".

وتابع المسؤول الأمريكى أن قطر لم تحترم العراق وقدمت رشوة لعصابة طائفية فيه، كما أنها تسببت فى قتل آلاف الأبرياء فى سوريا عبر دعمها الفصائل الأكثر تطرفاً.

ومن ضمن من رصدوا مؤامرات الدوحة فى العديد من عواصم دول الجوار، ومن بين من تنبؤوا بدخولها فى صدامات عدة مع الدول العربية الكبرى لدعمها وتبينيها لسيناريوهات الفوضى، "جون هانا" نائب ديك تشينى، مستشار الأمن القومى فى إدارة جورج بوش الابن الذي عمل على مدار عقود كاملة فى دوائر صنع القرار الأمريكى حاملاً خبرة سياسية لما يزيد على 20 عاماً كاملة واطلع على مدار إدارات مختلفة على ملفات الشرق الأوسط السرية وتفاصيلها.

يقول "هانا" في حديث لصحيفة مصرية إنه على مدار أكثر من 20 عاماً، أصابت قرارات حكام قطر المتعاقبين صناع السياسة الأمريكيين بالارتباك، أنا لا أعرف إذا ما كانت واشنطن قد توصلت لتفسير جيد لما يفعله النظام فى الدوحة حالياً، فهل تسترضي قطر القوى الإسلامية من أجل ضمان ألا تهددها فى الداخل، أم أنها تسعى لبناء نفوذ وسياسة ضمان ضد جيرانها الأكثر قوة. وهل ترى قطر أن هذا هو السبيل الوحيد أمام دولة صغيرة وضعيفة نسبياً تأمل بأن تكسب بها مكانة ويكون لها نفوذ على الساحة العالمية؟ وهل يوجد لدى قادتها بالفعل بعض التعاطف الإيديولوجي مع الأجندة الإسلامية الراديكالية؟. ويبدو أن التفسير لما تفعله قطر ربما يكون مزيجا من كل هذه العوامل.

إن السياسة القطرية لم تدرك عواقب ما تمارسه من عبث في المنطقة ولم تع خطورة المرحلة التي تعيشها المنطقة وحجم التحديات والمخاطر التي تحيط بها من كل صوب ولم تفق بعد من غفلتها لتدرك خطورة الأطماع الإيرانية التي تتربص بالمنطقة ككل، وظلت تنتهج سياسة الخروج عن الصف والإجماع العربي والخليجي وتجمع بين المتناقضات في ذات الوقت حتى جاءت ساعة الحسم والحزم والحساب.

إن على قطر، بعد أن تلقت هذا الدرس القوي، أن تذعن لصوت العقل وأن تبادر إلى اتخاذ خطوة تصالحيه حقيقية، دون ألاعيب ومناورات، قبل أن تستفحل الأزمة، بتعديل نهجها العدائي والتوقف فورًا عن دعم الإرهاب ومن يمثلونه خاصة النظام الإيراني الإرهابي وأتباعه وإغلاق قنوات الفتنة التي تبث سمومها ليل نهار وفي مقدمتها قناة الجزيرة، وأن تتوقف عن التدخل في شؤون الدول الأخرى.

على قطر أن تتوقع المزيد من التصعيد إذا لم تتراجع عن سياساتها العدائية، فبعد كل ما عانته البحرين وباقي دول الخليج والدول العربية من الممارسات القطرية العدائية لم يعد هناك إلا مخرج واحد أمام قطر وهو التنفيذ الكامل لاتفاق الرياض ولا تنتظر تراجعاً في المواقف فالدول التي قررت مقاطعتها قد حزمت أمرها على ذلك بعد صبر طويل ومرير على تجاوزات الدوحة وتغريدها خارج السرب الخليجي والعربي، وتوصلت إلى أن "آخر الدواء الكي".