لطالما وجدتني البنت الأصغر التي ضحك لها الحظ وكافأ جهودها لتكون بين هامات وقامات نخبوية في الفكر والسياسة، لا يمكنها أن تخفي انبهارها بالوسط الذي باتت تنتمي إليه، ولا بشخوصه الذين قضوا من العمر ضعف عمرها وربما أكثر، كان يجذبها إليهم تنوعهم المعرفي وتعدد انتماءاتهم داخل المظلة الخليجية الأم، والأهم من ذلك كله مزاجهم الخليجي التصالحي والوحدوي، كان الهدف الأعظم هو ما يجمع تلك النخب، ولكن ثمة ما يستوقفك حيناً، لتبدأ بمراجعة بعض الأمور والبحث في حقيقتها..!!

في جلسة تأمل جهدت فيها لأن أكون ملهمة وسط ذلك الزحام السياسي ومنعطفاته الخطرة التي سلبت ألبابنا، لم أوفق إلاَّ إلى تخيل الطاحونة الهوائية، التي تعتمد على طاقة الرياح لتحريكها، لتنتج بدورها الطاقة اللازمة لتوليد الكهرباء وضخ المياه، هذا المشهد الذي تراءى أمامي في أعقاب تعليق أحد الزملاء الأعزاء قال فيه «أعتقد أننا نعيش اليوم أكبر أزمة بين النخب الخليجية، حتى لم نعد نستطع أن نفرق بين من يبث الوعي ومن يدمره، ومن هو المثقف ومن هو الشبيح»، فقد كان لتلك الكلمات وقع كبير على نفسي وكأنه أجاب بكلمات معدودات عن حيرة كانت شاهدة على كثير من الصراعات الداخلية بين النخب الخليجية بين متحيزٍ بعميانية لسياسة ينتمي إليها، وبين متحزب يدق طبول الحرب على من يخالفه، وبين من حمل سوطه ليضرب جياد هذا وذاك نكاية بهم على غير غاية..!!

ولطالما كنت أعول على استقلالية الفكر النخبوي، وحالة اللاانسياق لما يعاكس الهدف الوحدوي الأشمل، غير أن بعض الشواهد كانت كفيلة بأن تجلي الصورة المغلوطة التي اتخذتها لتتحول النخب إلى طواحين هوائية تحركها السياسات نحو بناء الوعي حيناً وهدمه أحياناً أخرى. ولكم كنت أتعجب من انحدار بعض النخب من مقاماتها المعروفة إلى مستويات لا تليق بها وتعاطيها مع بعض القضايا السياسية بانفعالية لا تمت بصلة لدرجاتهم العلمية أو رصانتهم الفكرية..!! ثم أقف على القول كيف أننا ننادي بأهمية استشارة النخب الخليجية وإسهامها في صناعة القرار السياسي، وكيف أن دبلوماسية النخب الفكرية من الأدوات الذكية الفاعلة في القوة الناعمة الحديثة، وكيف أن لها دوراً مشهوداً في التقريب بين الشعوب الخليجية وجمعها على كلمة واحدة في أغلب القضايا التي تضع الخليج العربي على فوهة بركان واحدة وتحتم عليه مصيراً مشتركاً لا فكاك منه.

ومن لبنات البناء إلى معاول الهدم التي بتنا نشهدها في أوساط النخب الخليجية، نجدنا أمام صورة ضبابية لمستقبل المنطقة، فإن كان هذا صنيع عقّالها، فما بال العوام؟! ثم إلى من يركن الساسة بعد تمييع الحيادية والموضوعية في القضايا الحساسة التي تضع الدول على شفير الانهيار، وتلقي بالجماعات المتوحدة في خندق التفكك؟!!

* اختلاج النبض:

إذ كانت نخب الخليج تمتهن المماحكات والمهاترات وقرع الشنان، فمن للخليج ووحدته «إذا عبس الشتاء أو اكفهر»؟!