نجحت دول التحالف الرباعي البحرين والسعودية والإمارات ومصر في اتخاذ العديد من الإجراءات والخطوات الحازمة لحصار الإرهاب القادم من قطر، بدأتها بالإعلان تباعاً يوم 5 يونيو عن مقاطعة قطر دبلوماسياً وطرد البعثات الدبلوماسية القطرية من الدول الأربع وإغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية أمام قطر، ومنعها من العبور في الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية، ومنع مواطنيها من السفر إلى قطر أو الإقامة فيها، وإغلاق كافة المواقع الإعلامية القطرية. ثم استكملت إجراءاتها بالبيان الرباعي الصادر ليل الجمعة 9 يونيو الجاري بتصنيف (59) فرداً و(12) كياناً مرتبطين بقطر في قوائم الإرهاب.

وتؤكد هذه القرارات حزم وعزم الدول الأربع في كف هذا العبث القادم من الدوحة، الذي يستهدف أمن المنطقة وقادها إلى كثير من الحروب والأزمات والكوارث التي ما زالت تعاني منها أقطارنا العربية، كما تؤكد أن الدول الأربع لديها خطة متكاملة للتعامل مع التعنت القطري الذي تبدى في عدم استجابة قطر إلى الوساطات الخليجية التي تمت لحلحلة الأزمة.

إن الإجراءات التي اتخذتها الدول الأربع تؤكد أنها نسقت مواقفها وحددت رؤيتها من التجاوزات القطرية غير المقبولة في لحظة فارقة استشعرت فيها أن شعوبها تتعرض لمؤامرات خطيرة تهدد سلامتها من خلال أعمال تمس سلامة الجبهات الداخلية، وأن استمرار السكوت على ذلك يمكن أن تنتج عنه أوخم العواقب على أمن وسلامة الأمة العربية بأسرها. وإذا كانت حبال الصبر قد امتدت تجاه تجاوزات الماضي فإنه من غير الممكن السكوت عن رؤية أخطار تتحرك في الحاضر وتحمل في طياتها إشارات دالة بشأن مستقبل غامض محفوف بكل عوامل التوتر والقلق ليس في منطقة الخليج وحدها، وإنما في كل بقعة امتدت إليها أصابع التآمر القطري فوق الخريطة العربية.


وهناك العديد من الدلالات على نجاح الجهود الرباعية في لجم قطر ووقف إرهابها لمحيطها الخليجي والعربي، أول هذه الدلالات اتساع الدعم العربي والإقليمي والدولي للمواقف المتخذة ضد الدوحة، فهناك أكثر من 15 دولة قامت باتخاذ إجراءات عقابية ضد قطر تدرجت ما بين اتخاذ نفس إجراءات الدول الأربع من قطع العلاقات الدبلوماسية ومحاصرة قطر براً وبحراً وجواً كما فعلت اليمن وليبيا، وبين عقاب الدوحة بقطع العلاقات الدبلوماسية معها كما فعلت جزر المالديف ومورشيوس وجزر القمر وموريتانيا أو تخفيض التمثيل الدبلوماسي كما فعلت الأردن وجيبوتي، واتخاذ إجراءات عقابية أخرى مثل المغرب التي أوقفت رحلاتها عبر الدوحة، والفلبين التي علقت سفر عمالتها إلى قطر والسنغال وتشاد اللتين استدعتا سفيريهما هناك للتشاور. وما زال الموقف العربي والإقليمي المناهض لقطر يتصاعد. وهذا التحالف العربي والإقليمي والدولي الجديد ضد الإرهاب وداعميه في الدوحة سوف يدعم الأمن والاستقرار في المنطقة ويكون نواة لمحاربة الإرهاب أياً كان مصدره قطرياً كان أم إيرانياً.

الدلالة الثانية تأكيد الولايات المتحدة وروسيا بما لهما من ثقل دولي على تورط قطر في دعم وتمويل الإرهاب يساعد على حصار الإرهاب المدعوم من حكومتها، حيث صرح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب
بأن قطر تدعم الإرهاب، وأن عزلها يشكل بداية نهاية الإرهاب، وعلى دول الخليج أن تعتمد نهجاً حازماً ضد تمويل التطرف، لاسيما أن كل الدلائل تشير إلى تمويل قطر الإرهاب، كما طالب في تصريح قوي أمس قطر بضرورة وقف تمويل ودعم الإرهاب فوراً، وهذا الموقف الحازم هو رسالة قوية لقطر وغيرها من الدول الراعية للإرهاب وعلى رأسها إيران وكذلك للمنظمات الإرهابية بأن الوقت قد حان لمواجهة حاسمة معها إن لم تتوقف عن ممارساتها الإجرامية بحق المنطقة والعالم. بينما رفضت روسيا استقبال وزير الخارجية القطري في تأكيد بأن روسيا لن تنحاز إلى الدوحة في هذه الأزمة، حيث اتهمت روسيا مراراً وتكراراً حكومة الدوحة بتمويل ودعم الإرهاب.

ثالث الدلالات على النجاح أن قطر بدأت ترى بعينها للمرة الأولى نتاج وخطر وكلفة سياساتها العبثية والعدائية ضد بقية الدول في محيطها الخليجي والعربي، وها هي سلطات الدوحة تتجرع من كأس العزلة وأدركت أنها دولة منبوذة في محيطها وفي العالم. لقد أصبحت الدوحة هدفاً بعد أن كانت تستهدف دول المنطقة، فاللعبة تغيرت بتبني الدول الأربع قرار القطيعة، بعد أن دأبت قطر على تخريب المجتمعات العربية، بنشر ودعم الحركات الفكرية المتطرفة، وتمويل المنظمات المسلحة، بينما كانت في مأمن من كل ذلك، ولم تستهدف إطلاقاً من التنظيمات الإرهابية على مدار 20 سنة مما كان مثار تعجب ودهشة المتابعين والمحللين والخبراء الأمنيين إلى أن تكشف دورها الخبيث وباتت تواجه اليوم محاكمة دولية بدأت خليجياً وعربياً وامتدت دولياً.

رابع الدلالات على نجاح جهود الرباعية العربية في لجم إرهاب قطر صدور قائمة محددة بالأفراد والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بقطر، بقرار رباعي مشترك. فهذه القائمة التي اعتمدتها مملكة البحرين والسعودية ومصر والإمارات سيتم بمقتضاها متابعة وحصر أي أفراد أو جهات تابعة أو مرتبطة بأية علاقة مالية أو تجارية أو فنية أو أية علاقة آخرى مهما كان نوعها مع الأسماء الواردة في القائمة واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقها، وكذلك تدويل هذه القائمة باعتمادها في المنظمات الإقليمية والدولية وبالتالي سيتم محاصرة هذه المنظمات في داخل وخارج قطر ولجم نشاطاتها وبالتالي يتحقق الهدف الخليجي الأهم من مقاطعة قطر وهو منعها من دعم وتمويل الإرهاب وكف شرور الجماعات الإرهابية عن الدول الأربع وعن العالم العربي والإسلامي.

لقد وضعت القائمة قطر في الزاوية وثبتت عليها تهم دعم الإرهاب وتمويله، خاصة أن القائمة تضم شخصيات قطرية مقربة من العائلة الحاكمة وسبق أن شغلت مناصب حكومية عليا، وشخصيات متشددة أخرى لها ارتباط وثيق بالدوحة وتشتغل ضمن أجندتها الداعمة للمتشددين. وأدرجت الدول العربية الأربع عشرات الأشخاص ممن لهم صلات بقطر على قوائم الإرهابيين الجمعة، ما يلقي بأعباء إضافية على الدوحة، خاصة أن هذا الإجراء نقل الخلاف مع قطر إلى بعده الدولي من بوابة قضية الإرهاب التي تحوز على الاهتمام الأول عالمياً، وهو ما سيجعل سجل قطر في دعم الجماعات الإسلامية المتشددة محور بحث أمني وتقص قضائي في مختلف دول العالم.

ويعطي فتح هذا الملف أمام القضاء الدولي الفرصة لإماطة اللثام عن الشبكات السرية التي تديرها الدوحة خليجياً وعربياً ودولياً. ويمكن أن يعطي إجابات واضحة ودقيقة عن علاقة الدوحة بجماعة الإخوان، وعلاقة التنظيم الإخواني بالجماعات المتشددة الأخرى مثل القاعدة وداعش، وسر المحاولات التي بذلتها قطر لتجيير احتجاجات 2011 وركوب موجة "الربيع العربي".

إن الموقف القطري بدعم التنظيمات الإرهابية يعبر عن مسعى انتهازي لممارسة دور سياسي يمنح الدوحة مرتبة في العالم العربي، وليس لأي أسباب أيديولوجية، فإذا كانت قطر تبحث عن زعامة فإن الزعامة لا تأتي عن طريق المشاركة في الجريمة الدولية ضد المجتمعات الإنسانية، وإن كانت تمتلك قطر من المال ووسائل الإعلام ما يجعلها تتوهم أنها قادرة على صناعة الدور، إلا أنها لا تستوعب أن لذلك ضوابط وحدوداً عربية وقومية ودولية، فحالة البحث عن وجود ودور أوصلتها الى عزلة عربية وخليجية، كونها ببساطة لا تملك الإمكانيات لذلك، كما أنها اختارت الطريق الخاطئ لتحقيق طموحاتها.

إن قطر حاولت لعب دور يفوق حجمها السياسي الحقيقي، وذلك من خلال عقد تحالفات ثنائية والدخول في أحلاف إقليمية وعالمية بعيدة عن البيت الخليجي، بالإضافة إلى الاستفادة من بعض الأدوات المتمثلة بالتنظيمات الإرهابية كجماعة الإخوان المسلمين وبعض التنظيمات التابعة لتنظيم القاعدة، وتلاقت في هذا الاتجاه مع إيران، كل ذلك أوصل المنطقة إلى ما هي عليه حالياً من صراعات واضطرابات.

آن لقطر أن تعرف أن هناك ثمناً لتخريب علاقات حسن الجوار والتدخل في شؤون شقيقاتها الخليجية والعربية، آن لها أن تعي الدرس قبل فوات الأوان فساعة الحسم دقت وصوتها وصل عالياً لقطر ولن يغنيها صم آذانها والبحث عن مسوغات للهروب من التزاماتها، بل إن الطريق الصحيح الذي يجب أن تسير فيه هو تصحيح مسار سياساتها، فهناك عزم لا يلين من الدول الأربع على دفع الدوحة إلى التوقف عن دعم الإرهاب واتخاذ كافة الخطوات التي يكفلها القانون الدولي لتحقيق ذلك، وهناك دعم عربي وإسلامي ودولي لجهود الدول الأربع سيتكلل بالنصر كما بدا من المؤشرات السابقة وكما ستفصح عنه الأيام القادمة إن شاء الله.