تخيلوا أن «نواة» تأسيس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ما يسمى اختصاراً بـ«داعش»، قد قرر أخيراً، وبعد انتظار 14 عاماً أن يهاجم عدوته الأولى ـ كما يعلنها- الجمهورية الإسلامية الإيرانية!

أكبر مسرحية يمكن أن تراها حصلت قبل أيام، حينما هكذا فجأة وبين ليلة وضحاها، أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية، أن «هجوماً عنيفاً» منظماً من «داعش» استهدف مبنى البرلمان الإيراني ومرقد مطلق الثورة الإيرانية الخميني، وأسفر ذلك عن مقتل عدة أشخاص. إن كان أحد ليصدق أن «داعش» تضرب أخيراً إيران، وفي هذا التوقيت، الذي يشهد توافقاً دولياً على محاربة الإرهاب تحديداً، وإعلان إيران كـ«رأس حربة» له، وبعد زيارة ترامب للسعودية، وعقده قمماً ثلاثاً تاريخية ركزت في محاربة الإرهاب، فإن من يصدق وقوع إيران كـ«آخر ضحايا» داعش واهم تماماً.

هذا التنظيم خرج من رحم تنظيم «القاعدة» الإرهابي بداية من عام 2004، وبالأدلة والبراهين والشواهد، المجتمع يعرف تماماً بأن عديداً من قيادات تنظيم القاعدة موجودون في طهران، وينعمون برعاية وحماية الخامنائي، رغم المفارقة التي تقول بأن القاعدة تنظيم محسوب على المذهب السني، وأن من أصوله محاربة الشيعة، الذين يصفهم تنظيم القاعدة بأنهم «روافض»، بالتالي ما الذي يجعل إيران تقبل عناصر يحاربونها في المذهب الشيعي، ويخرجونها كقيادة وشعب من الملة الإسلامية؟!

معادلة «توافق الإرهابيين» تذكروها جيداً، وأضيفوا عليها العمل بأسلوب «استنساخ الإرهاب»، وفوق كل ذلك، تذكروا أسلوب إيران الشهير المتمثل بـ«الحرب بالوكالة»، إذ في كثير من بؤر التأجيج والصراعات، والدول التي تستهدفها إيران لا ترى وجوداً أصلاً لشخص إيراني، بل تجد عملاء وخونة وطوابير خامسة، كلها تنفذ الأجندة الإيرانية بالوكالة. اليوم وبعد أن عرفت إيران بأن سيناريو الغزل الإيراني الأمريكي الذي وصل أوجه أيام باراك أوباما قد ذهب إلى غير رجعة، بمجيء ترامب، وأن طوق محاربة الإرهاب يلتف بقوة حول أعناقهم، جاء وقت التفجير داخل طهران، وباسم تنظيم داعش.

رسمياً تنظيم الدولة الإسلامية أعلن عن وجوده في عام 2014، وحتى هذا التاريخ كانت تربطه علاقات جيدة بالقاعدة التي يحتمي قادتها في إيران، ومنذ ذاك التاريخ حتى اليوم، لم يستهدف داعش إيران ولا مرة، رغم أن إعلان قيام التنظيم يركز على إقامة دولة خلافة إسلامية سنية، وأن الحرب ضد الشيعة، لكن داعش تأخرت كثيراً، فكل استهدافاتها وهجماتها وعملياتها الانتحاربة، كانت موجهة ضد العرب، بغض النظر عن مذاهبهم، فالسنة استهدفوا، والغرب تم تنفيذ عمليات إرهابية بحقهم، إلا إيران التي بقيت بمعزل.

محللون كانوا يقولون بأن إيران منيعة أمنياً من الداخل، وأن الحرس الثوري قابض على زمام الأمن بقوة، ومن الصعوبة اختراقه، لكن فجأة تتهاوى هذه الأسطورة، وفي نفس الوقت الذي تصدر التقارير الدولية وتبين بأن تنظيم داعش يعيش تراجعاً وضعفاً، فجأة تخرج داعش من الرماد كما العنقاء، لتضرب الدولة التي لم تلمس منذ 2004 أيام القاعدة، ولا منذ 2014 الإعلان الرسمي لولادة التنظيم!

مسرحية صريحة، وفبركةٌ أسيادها هم الإيرانيون بجدارة، عبر إعلامهم، ومن خلال تنفيذ جرائمهم، فالنظام الذي نصب الخميني وأعلن أنه روح الله، وقبل بأن يقوم ممثل الرب على الأرض بقتل عشرات الآلاف ليثبت حكمه، مثلما كشف ابن الخميني نفسه العام الماضي، هل يعجزه تنفيذ عملية انتحاربة مفبركة، يضحي فيها بعدد من الأشخاص، ليقنع العالم بأن داعش «المجرمة» ضربت بإرهابها إيران «المسالمة»؟!

كنت سأقتنع بالهجوم الانتحاري «المزعوم» لداعش حقيقي، لو أنه بالفعل تم تفجير مرقد الخميني وتفتيته قطعة قطعة، لكن أن يفجر الانتحاري الداعشي نفسه عند باب المرقد، دون أن يأخذ بضعة خطوات لداخله وينسفه عن بكرة أبيه، هذا بحد ذاته يبين لك الحقيقة، «المخرج» سيفعل كل شيء، وسيفتعل أي مشهد، لكن أن يفجر مرقد وليه ومولاه وإمامه، فإنه لن يفعلها! داعش لم تستهدف إيران ولن تستهدفها، لأنها صناعة «خامنائية» من رأسها لأخمص قدميها.

مشكلة إيران، رغم تقدم صناعتها للأفلام السينمائية، أن صناعتها للأفلام السياسية رديئة جداً جداً، والدليل أن أول تصريح للحرس الثوري الإيراني هو اتهامه السعودية وأمريكا بتنفيذ هجوم داعش في طهران!