خلال مسيرة حياتي التي بدأتها في بساتين كتاب الله الكريم والتي مازالت آثارها الجميلة بائنة في لوحات حياتي، اكتشفت أن أجمل عطر فواح يمكن أن تعطر به حياة الآخرين هو من بستان كتاب الله الكريم.. فهو الأثر الجميل الذي تتركه في نفوس كل من تقابلهم..

إن لحلقات القرآن الكريم الأثر الكبير في حياة الأبناء، شريطة أن يحظى الابن بإشراف مدرس متقن وبارع في إدارته للحلقة القرآنية، فالحلقة القرآنية ليست مجرد (آلة تسجيل) يتم تشغيلها في كل مرة يلتقي فيها المدرس مع الطلبة، فيطلب منهم التسميع ثم الانصراف، وإذا لم يوفقوا في التسميع فإنهم إما يحصلون على سيل من عبارات التوبيخ والتأنيب أمام زملائهم لينفرهم من الحلقة، وإما أن يكتب لهم في ورقة مقطوعة: (لم يحفظ).. والسلام..

كم أتمنى أن تحظى حلقاتنا القرآنية اليوم بنماذج فريدة في تحفيظ كتاب الله الكريم وتدريس علومه، وفي تعليم الناشئة الخلق القرآني وخلق النبوة الذي كانت لبناته من كتاب الله الكريم.. نحتاج إلى تنظيم دورات متميزة في إدارة الحلقات القرآنية، يقدمها نخبة من المتمرسين في هذا الجانب، وتطرح من خلالها الأفكار الجذابة التي تساهم في حب الأبناء لكتاب الله الكريم وارتياد مراكز التحفيظ..

من هنا فإن الاهتمام الأول الذي يجب أن ينصب عليه اهتمام القائمين على مراكز التحفيظ، اختيار المدرس النموذجي القدوة الذي يحتضن الناشئة ويهتم بهم ويربيهم على القيم الإسلامية الراقية.. فلا يعقل إطلاقاً أن يدخل هذا الميدان كل من هب ودب..! وليس كل من حفظ القرآن وحصل على شهادات التلاوة والتجويد بقادر على أن يكون فارساً في ميدان تحفيظ كتاب الله الكريم..

إن المدرس الذي يجب أن يقع عليه الاختيار هو من يتصف أولاً بصفة القدرة على جذب الطلبة والتأثير فيهم، أي أن يكون محبوباً وليس منطوياً على نفسه منفراً للطلبة.. ثم أن تكون لديه القدرة الكافية على زرع القيم، ولديه القدر المعقول من المعرفة التي يستطيع من خلالها أن يربي الطلبة، بكلمات أو قصة تربوية يسردها في بداية كل لقاء يزرع فيهم قيمة أخلاقية رصدها من واقع الحلقات.. كما لا يغفل المدرس الاهتمام بهندامه وشكله، والذي يعطيه هيبة الشيخ في مكان مقدس تحفه الملائكة.. وهذه ملاحظة جديرة بالاهتمام..

إشراقة:

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير".