في منتصف شهر يونيو، أعلنت الحكومة عن ميزانية العامين الحالي والقادم، لتتحول إلى النواب لمناقشتها.

ميزانية 2017 تحديداً، والتي سيناقشها مجلس النواب، كان يفترض أن يعمل بها، لا أن تصدر قبل أكثر من ستة شهور، لكن أعلن عنها في الصحافة والإعلام يوم أمس.

هذا التأخير ليس الأول، إذ سبقته حالات في الموازنات السابقة، لكنه بالتأكيد التأخير الأطول، وله تبريرات متوقعة من الجهات المعنية برسم الموازنة العامة في الحكومة.

كافة القطاعات الرسمية عملت خلال الشهور الخمسة ونصف الشهر الحالي من مطلع العام، بنظام الواحد على اثني عشر، الذي يسميه مصطلحاً خبراء ومسؤولو القطاعات المعنية بالشؤون المالية، أي أن الصرف وكأنه «على المكشوف» شهراً بشهر حتى تصدر الموازنة.

لربما المواطن العادي لا يشعر بهذه العملية وما تتطلبه لأجل تتم، لأنه يرى القطاعات تعمل، وراتبه الشهري يصرف، وبعض المشاريع ماضية في مساراتها، لكن الواقع يفيد بأن تأخير الموازنة لهذا التاريخ «أمر غير طبيعي».

طبعاً قبل أسابيع كنا نسمع ما يتردد في الأوساط الشعبية، بأن التأخير سيضع مجلس النواب في مأزق التعامل السريع المطلوب مع الميزانية، وأن إحالة الميزانية قد تتم في فترة الإجازة البرلمانية «الطويلة»، ما يعني أن العملية ستمرر بسرعة البرق.

شخصياً، أقولها مع شديد الاحترام لمجلس النواب، بأنه بناء على التراكمات السابقة التي شكلتها الخبرة الملاحظة والمسجلة على تعاطي مجلس النواب بتركيباته المختلفة في الفصول التشريعية المتعددة، فإنني أفضل لو أن الحكومة تمرر الميزانية مباشرة باتجاه إقرارها بمرسوم، دون أن تصل أوراقها الرسمية حتى لمجلس النواب.

السبب مبعثه «مساجلات» سابقة، بعضها والله لم يكن له داع من قبل بعض النواب الذين بتنا نعرف فيهم حبهم للمزايدات على حساب «الظهور الإعلامي»، والتصوير للناس بأنهم «لن يمرروا» الميزانية إلا بإقرار زيادة رواتب، أو إقرار مزايا للناس. والمضحك أنه في كل مرة «تمرر» الميزانية بدون أن تقر هذه الزيادات ولا شيء مما يتوعد به النواب، والمتضرر هو البلد حينما يتم «تمطيط» الكلام في هذا الملف.

صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء حفظه الله، وفر على هؤلاء النواب «محبي الشو في موسم الميزانية»، وفر عليهم «مخططاتهم الإعلامية» حينما أكد في إحالة مجلس الوزراء للميزانية على عدم المساس برواتب الموظفين وزياداتهم السنوية، وتوفير الخدمات الأساسية واستمرار برامج الدعم لهم.

أي باختصار، وفر عليكم الأمير خليفة بن سلمان كل ما ستقولونه بشأن المواطنين، ما يعني أن «قلوب» بعضكم لن تكون «أحن» من قلب الحكومة على مواطنيها، بالتالي، رجاؤنا عدم المزايدة في ملف الميزانية باسم المواطنين، في المقابل عليكم كنواب مساعدة الحكومة في تحقيق توجيه رئيس الوزراء لمسؤولي الدولة بخفض النفقات التشغيلية، وتحت هذا التصنيف «خفض النفقات» مجالات واسعة جداً يمكن التحرك فيها نيابياً لضبط المصروفات، وأولها سفرات المسؤولين، وتاليها المشاريع غير الأساسية، خاصة من قبل تلك الوزارات التي «تفيض» لديها الموازنات ولا تستخدمها كلها.

لكن كمواطنين سؤالنا يستمر للدولة بشأن «العجز المالي»، إذ حتى في بيان الميزانية المعتمدة، هناك تطرق للعجز المتوقع في السنتين الماليتين القادمتين، رغم بيان الإيرادات والعوائد، إذ يظل مع ذلك توقع عجز بمجموع 2.5 مليار دينار.

سؤالنا مرتبط بعديد من الإجراءات والقرارات التي اتخذت سابقاً خلال الأعوام الثلاثة الماضية، في إطار المساعي لتخفيض العجز، والتوجه نحو التقشف.

إذ مازلنا نبحث عن النتيجة من خطوات مثل: إعادة توجيه الدعم بشأن اللحوم، وزيادة أسعار المحروقات، وفرض بعض الرسوم الإدارية في المجالات البلدية والتجارية والصناعية، وغيرها من خطوات اتخذت لتعزيز الإيرادات المالية، لتوجه في حل ملف العجز.

للسادة المعنيين بالملف المالي للدولة، المواطن يحتاج منكم معرفة ما قمتم به خلال هذه السنوات التي رفع فيها شعار «التقشف وضبط النفقات»، نريد أن نعرف وبالأرقام، كم وفرنا، وكم دخل لخزينة الدولة، وكم كان هناك مبالغ مهدرة حافظنا عليها، والأهم هل الإجراءات التي اتخذت كانت لازمة وضرورية وهل كانت ذات فائدة؟!

الأهم معرفة إجابات لهذه التساؤلات، وتطمين المواطن، وإن كان من تعطيل لتمرير الميزانية من قبل النواب، فنرجو أن يكون لأسباب مقنعة، وأن تكون مركزة في عمليات وقف «البحبوحة المالية» لبعض المسؤولين والقطاعات والتي تأتي معارضة لتوجهات «التقشف» و»ضبط النفقات».