فتحت الجوال فإذا برسالة من صديق قديم انقطعت أخباره ووصاله، وقد اعتدت من قبل أن أسمع منه إطراءات الحب والإخاء.. لم أكن أتوقع أن أقرأ له مرة أخرى بعد كل هذا الانقطاع الطويل، ولم أكن يخطر على البال أن يعود هذا الصديق إلى حيز كان يحبه أشد الحب، وعاش في ماضيه الجميل مع أروع الأصدقاء.. لم أعتد أن يكون سلبياً في تفكيري، أو متشائماً في حياتي، ولكن مع أسلوب الحياة الجديد فقد فرضت علينا أحوال وقوانين حياتية لم نعتد أن نعيشها في تلك السنوات.. أسلوب جديد مغاير جداً لذلك الماضي الجميل..

إن الحنين للماضي ليس هو ضرب من ضروب الخيال، بل هو متنفس أراه مهماً في لحظات حياتنا التي نعيشها اليوم.. هو الحنين الذي يغدق علينا بحبه وكرمه وإنسانيته، وضحكاته التي مازالت ترن في مسامعنا، وبساطة الحياة مع من نحب.. فهل رمضان اليوم مثلاً كسابقه في سنوات قد خلت؟ هو نفس الضيف، ولكن قد تغيرت أماكن ضيافته، وأضحى الناس لا يعدون العدة لاستقبال كالمعتاد.. اعتدنا في رمضان أن نجتمع مع الأصدقاء والأحباب في المسجد، ويعين بعضنا البعض على العبادة والطاعة، ويذكر بعضنا البعض بالصدقة والإحسان.. في رمضان اعتدنا أن نصل الأرحام ونزور الأحباب، ونوزع لقيمات الفطور على جيراننا وبيوت الفريج.. في رمضان اعتدنا أن نجلس صباحاً نشطاء للذهاب للمدارس وللأعمال فلا نكل ولا نمل.. فهل أمسى رمضان كسابقه؟

نحن إلى ماضينا الجميل لأنه يذكرنا بأصحاب بررة أوفياء لا يتركونك لحظة واحدة تسير لوحدك في دروب الحياة.. ونحن إلى برامج كنا ننسى فيها هموم الحياة بعشق أطايب الحديث من أفواه من نحب.. ونحن إلى تلك الرسائل التي كنا نكتبها إلى أصدقائنا.. نسأل عنهم، ونبث إليهم شجون الحياة.. فإذا بهم يبادرون للرد علينا.. برسائل حب تخفف عنا لوعات الهموم.. نحن إلى تلك الأسفار التي علمتنا الكثير وساهمت في تشكيل شخصياتنا وقربتنا إلى قلوب من نحب..

يا ترى هل أحسنا صنيع كتاب ماضينا الجميل، وهل أحسنا الحنين إلى إشراقات نفوسنا قبل الآخرين.. عد إلى نفسك سريعاً قبل أن يتصرم الشهر الكريم، وأول ما تحن إليه مكانتك عند المولى الكريم.. يا ترى هل أنت راضٍ عنها اليوم؟ عبادتك هي مقياس تغيرك.. وسارع في العشر الأخير لصناعة (حنين آخر).. ستتذكره بإذن الله عند الملك الديان.

إشراقة:

أحن إلى طاعة ربي وشكره وحسن عبادته.