جريمة لا تغتفر، وغلطة تاريخية ونقطة سوداء لا تمحى، ما أقدم عليها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، حينما قام بالغزو «الغاشم» على الشقيقة الكويت في عام 1990، بما تمثل ببداية نهاية «حائط الدفاع الخليجي الشمالي» الذي كان يصد إيران، بعد تحرير الكويت، والعمل على إسقاط صدام.

وبغض النظر عما تلا ذلك من أمور، إلا أن حال العراق وصل لدرجة لم يكن تخيلها قبل عشرين عاماً ممكناً، إذ حالياً يصعب أن تجزم بوجود دولة متماسكة فيها حكم مستقل، في ظل الشواهد التي تقول إن العراق ممزق الأوصال، بات هو بجغرافيته وموارده النفطية ملكاً لإيران.

مبعث الكلام ليس العراق، بل مقولة لأحد أبرز قادته في زمن صدام حسين، لنا فيها هدف نوضحه أدناه.

ففي عام 1996 وفي أحد اللقاءات التلفزيونية لإحدى المحطات البريطانية، تم توجيه سؤال لوزير خارجية العراق السابق طارق عزيز، مفاده: كيف تتعاملون مع المعارضة العراقية في الخارج؟!

فأجابهم من فوره: العراق ليس له معارضة في الخارج!

فسأله المحاور وكل الحيرة بادية عليه: إذن من هم هؤلاء الذين يعقدون مؤتمرات وندوات في لندن وبعض دول أوروبا وفي إيران؟!

فأجابه طارق عزيز: «هؤلاء ليسوا معارضين، بل مجاميع من اللصوص والقتلة المأجورين والمرتزقة! ولو تسنى لهم حكم العراق سينهبوه ويبيعوا أرضه».

اليوم لو تنظر للعراق، يمكنك أن تستوعب ما كان يشير إليه طارق عزيز، بغض النظر عن الجدلية ستدخلك لنقاشات بشأن «لصوص الداخل» قبل الخارج، فيما حصل للعراق، لكن كما قلت، القول هنا واضح بشأن من يعمل في الخارج ضد بلده.

ليسوا أبداً معارضين، كثير من أولئك الذين يعملون ضد دولهم في الخارج، وأستثني بعضاً «قليلاً» بالتأكيد، لأن هناك من يعمل في الخارج لأجل استعادة بلاده من براثن الطغيان والظلم والجور، لكن أقرب حالة لما وصفه عزيز بشأن العراق، هم أولئك الموالون لخامنئي إيران ومشروع التوسع «الصفيوني»، من «مرتزقة لندن» الذين يحاربون البحرين.

وبالإشارة للتقارير العديدة الواردة عمن تولوا المسؤوليات في العراق من بعد حقبة صدام حسين، وكيف أن الدولة التي كانت من أغنى دول العرب، وتحولت لبلد يعاني، كيف أن هذه الدولة من ادعوا أنهم سيصنعون لها «تاريخاً جديداً» ولشعبها «حياة أفضل»، كيف أن حساباتهم في الخارج اكتنزت بالملايين، من خير العراق ومال نفطه، بالتالي أليسوا «لصوصاً» نهبوا البلاد وخيرها حينما تولوا أمرها؟!

نفس السيناريو تكرر سابقاً في إيران، حينما أطيح بالشاه، وجاء الخميني رجل الدين الذي ادعى الزهد، ليفاجأ العالم بعد ذلك، بأنه صاحب أرصدة مليونية، ومن بعده خليفته خامنئي صاحب الأرصدة المليارية، في حين فئات عديدة من الشعب الإيراني تعاني الفقر والتشرد، وملايين في الخارج هاربون من جحيم الملالي.

هؤلاء ومن يشاركهم نفس التوجه والأهداف، لا يمكن لعاقل أن يصدقهم حينما يصفون أنفسهم بـ«المعارضة» التي تريد الخير لأوطانها، بـ«المعارضة» التي ستحرر الناس من الأنظمة الجائرة، حسب وصفهم، لأنهم باختصار هم «أهل الظلم والفساد والجور والطائفية» وكل فعل سقيم.

مرتزقة لندن، ولصوص المال، وأذيال إيران، ومن معهم بالداخل من جماعات إنقلابية، كل هؤلاء حديثهم عن «المناصب والحكم وتوزيع الثروات»، خطابهم لا يخرج عن إطار السعي لـ«الاستحواذ السياسي» الذي هو الطريق للاستحواذ المالي والإمساك بالمقدرات.

هؤلاء بائعو الأوطان، لو تأتى لهم ما يريدون، لحولوا بلادنا لعراق آخر، ولنهبوا أمواله وخيراته، ولكشفوا «زيف» كل «كلامهم الفاضي» الذي يروجون له عن التوزيع العادل للثروة ومحاربة الفساد. ألم يقولوها في العراق سابقاً؟! فماذا حصل؟! قياداتهم الموالية لإيران تملك الملايين لأنفسها والشعب يموت، ويقتل باسم الطائفية.

صدق فيهم القول بأنهم مرتزقة ولصوص، فحتى رجال الدين الذين يدعون الزهد يعملون لأجل «تكديس الأموال»، إذ أولم تفضح الدولة «ممثل الولي الفقيه» في البحرين وتكشف وجود الملايين في حسابه؟!

باع الناس كلاماً، وحرضهم على بلادهم، بينما رصيده البنكي «آخذ في التضخم». وهو أول من سيسرق البحرين ضمن مخططهم الانقلابي، مثلما سرق من وصفوا أنفسهم بـ«المعارضة»، سرقوا العراق عن بكرة أبيه.