مشكلة النظام الإيراني أنه لم يقدم النموذج الذي يجعل الآخرين يتمنون استنساخه، لهذا فإن من الطبيعي أن يرفضوه، وهو بدل أن يقدم النموذج صار يتدخل في شؤونهم الداخلية ولهذا يزدادون له رفضاً، وهم يرفضونه كذلك لأنهم يرون كيف صار يعيش الشعب الإيراني منذ استيلاء الملالي على السلطة في إيران ويشهدون معاناته.

إيران لا تزال تمارس كل الأخطاء والتجاوزات التي تجعلها منبوذة، وبالتالي لا يمكن لأحد أن ينحاز إليها أو يعمل معها أو حتى يتعاطف معها ويأسف عليها لو أبيدت. ماذا أكثر من محاولتها المستمرة لتصدير الثورة؟ وماذا أكثر من قيامها بتدريب أبناء جيرانها ومساعدتهم على التمرد على قياداتهم؟ وماذا أكثر من العمل الإعلامي المسيء لبعض دول مجلس التعاون؟ لا يعتبر النظام الإيراني نموذجاً إلا من يعتقد أنه يمكن أن يستفيد منه ومن يتعاطف معه لأسباب مذهبية خصوصاً بعد ما روج لنفسه كمدافع ومسؤول عن الشيعة في العالم.

إيران ترفع شعار الديمقراطية وتمارس الديكتاتورية، وهي تقدم نفسها أيضاً على أنها المدافع الأول عن حقوق الإنسان في العالم بينما هي أكثر دولة تنتهك حقوق الإنسان. تقول إنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بينما يتضمن دستورها مواداً تلزمها التدخل في شؤون كل دول العالم. إيران تقول إنها بريئة من كل التهم التي يتم توجيهها إليها لكنها في واقع الحال متورطة في كل شين يحدث في العالم وخصوصاً في هذه المنطقة.

إيران بطبيعتها عدوانية ولهذا فإنها تعمل على استغلال كل ما يمكن استغلاله كي تعبر عن نفسها وتؤكد هذه الحقيقة. لم يكن قد مر على ما حصل من أحداث في طهران الأسبوع الماضي سوى دقائق حتى بادر مسؤولون عديدون إلى القول إن السعودية تقف وراءه، وها هم اليوم يكررون ذلك بل يعملون على تأكيده بشكل رسمي، بدءاً من المرشد خامنئي وانتهاءً بأصغر مسؤول في حكومة الملالي وآخرهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي زعم في أوسلو قبل أيام أن الهجمات تمت «برعاية» السعودية، معتمداً في ذلك على تصريح سابق لولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تم تفسيره بشكل خاطئ، وعلى تغريدة لوزير الخارجية عادل الجبير، وهو ما يؤكد أن إيران ترمي إلى اتهام السعودية بأية طريقة.

ومع هذا، ووسط هذه الاتهامات وهذا الكلام ومثله كثير يقول ظريف وكل مسؤول إيراني إن إيران «تريد الأمن لكل دول الجوار» و«إن أمن كل دول الشرق الأوسط بما فيها السعودية مهم بالنسبة لإيران». أما المتابعون للشأن الإيراني فيعرفون القصد من وراء كل ذلك وهو ما لم يبخل به ظريف في حديثه الأخير في أوسلو، حيث دعا إلى «تطوير آلية دائمة لتأسيس أمن إقليمي مستدام.. كون كل دول الشرق الأوسط تحتاج لمحيط آمن»، وهو ما ترفضه كل دول المنطقة لأنها تعرف جيداً أنه لا يخدم إلا المشروع الإيراني.

إيران محاصرة ومنبوذة من كل دول المنطقة وهي تفكر ليل نهار في طريقة تخرج بها من هذا الواقع الذي يهمشها، ولكن لأن جيرانها يدركون هذه الحقيقة ويعرفون جيداً أنها إنما تريد أن توجد لنفسها مكاناً لتسيطر بعد قليل على كل شيء لذا فإن كل هذه الدول لا تتفاعل مع دعوتها ولا تنصت إليها، وبالتأكيد فإنها لا تصدق كل ادعاءاتها والاتهامات التي توجهها إلى جيرانها وخصوصاً السعودية التي تعرف كل ألاعيب هذه الجارة الضارة وكل نواياها.

قول ظريف إن «من الملح في ظل الظروف الراهنة التوصل إلى آلية دائمة للتشاور والحوار واتخاذ القرارات المرتبطة بالصراع في المنطقة» لا يجد من يشتريه.