ويقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: "رمضان الذي نجتلي فيه أجمل صفحات الوجود، وما كنا لنجتليها قبل رمضان، لأن الحياة سفر في الزمان، يحملنا قطار الأعمار، فإذا قطع بنا أجمل مراحل الطريق، حيث يولد النور، وتصفو الدنيا، ويسكن الكون، مرحلة السحر، قطعها بنا ونحن نيام لا نفتح عليها عيوننا ولا نبصر فتونها".

ولأنك في أيام فضيلة من رمضان وقد شارفت لياليه المباركة على الرحيل، فلا بد أن تكون قد استطعت أن تترك بصمة مؤثرة في هذه المدرسة الروحانية قبل أن يرحل ضيفها الكريم ولا تعلم هل تلاقيه فيما بعد أم يدركك المنون.. وإن أجمل ما تتركه من بصمة بعد (بيئتك التي صنعتها بنفسك) والتي تعينك على صنع منزلتك في الآخرة، أن تدشن اليوم قبل الغد في ليالي السحر (مشروع حياتك الجديد) والذي سيكون أثرك في الدنيا بعد أن ترحل منها.. هو مشروع من مشروعات الخير اكتبه على ورقة وضعها في جيبك حتى لا تنساه وتبدأ من الآن في التخطيط له ولو بالشيء القليل.. "سأبني مسجداً ومركزاً لتحفيظ القرآن الكريم وأحفر بئراً في بلاد فقيرة، سأكفل يتيماً، سأساعد محتاجاً وأتكفل بمبلغ محدد أوصله له في كل شهر، سأتفق مع بائع لحم يوصل اللحم إلى فقير كل أسبوع، سأعطي العامل في الطريق وجبة غداء وشربة ماء باردة كل أسبوع، سأتكفل بمصروفات أداء العمرة لفقير لم تسنح له الفرصة زيارة بيت الله الحرام، سأتفق مع زوجتي لتزيد من طعام البيت لأطعم به جيراني".

هذا هو الخير الذي سيبقى والأثر الخالد في الدنيا، ليخفف عنك لوعات يوم القيامة.. رمضان سيرحل.. وستبقى قيمته الإيمانية في نفسك.. فحافظ عليها.

ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يتعاهد بعض الأرامل فيسقي لهن الماء بالليل، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة، فدخل إليها طلحة نهاراً فإذا هي عجوز عمياء مقعدة، فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت: هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدني، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى. فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة عثرات عمر تتبع؟! وكان أبوبكر الصديق رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم، فلما استخلف قالت جارية منهم: الآن لا يحلبها، فقال أبوبكر: "بلى وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله".

إشراقة:

اللهم اجعل يدي ساعية في الخير كرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر.