مع زحام الأيام وتكاثر الأعمال وتغير الزمان ومسيرنا في حياة معدودة الأنفاس.. بتنا نتفنن ونبالغ في استخدام كلمة (أنا مشغول.. لذا فإني أعتذر).. سواء للاعتذار من الالتزام بمواعيد الخير مع الآخرين، أو الاعتذار عن تحمل مسؤولية مجتمعية تطوعية أو غيرها، أو حتى التفنن في هذه الكلمة في الأعمال الرسمية، وما أكثر من يستخدمها.. يا ترى هل بالفعل نحن مشغولون؟ وبماذا ننشغل عادة؟ وما هي أهم أولوياتنا في أوقات الحياة؟

تختلف كلمة (أنا مشغول) من شخص إلى آخر، وتختلف معها الأعذار، وتختلف النيات، فالبعض قد يصطنع الأعذار حتى يتملص من التواجد في مكان ما، أو الارتباط بمهمة ما، والبعض الآخر قد يختلق عذراً غير موجود أصلا فهو بذلك قد يتعمد (الكذب).. وهناك من تكون هذه الكلمة في قاموسه وفق أولوياته الحياتية المبنية على أسس الإنتاجية والنماء لا على أساس توافه الحياة..

فإن ألقينا الضوء على من يعتذر عن مواعيده المهمة والمنتجة في الحياة لأتفه الأسباب، فإنك تجد أن لديه أوقاتاً كثيرة ضائعة بلا استثمار حقيقي، وهو يضحك على نفسه بهذه الانشغال حتى يتهرب من أمور قد لا تحبها نفسه، في حين تجده أنه في ذات الوقت منشغل بهاتفه وبمشاهدة المباريات الحاسمة في الدوري الأوروبي.. والأدهى من ذلك تجده مقصر بصورة كبيرة في أداء واجباته الإيمانية تجاه ربه من صلاة وقراءة للقرآن وذكر وصلة للأرحام.. بحجة الانشغال أيضاً..

أما (المشغول) بالفعل في حياته فهو من استثمر كل لحظاته في طاعة الرحمن، وحول حياته إلى حياة منتجة فيها في كل لحظة برنامج ومحطة خير إما أن يستزيد منها لآخرته، وإما أن يقدم من خلالها عطاء خير في حياة الآخرين.. هذا هو المشغول بالفعل الذي اعتاد أن يقبل الأعمال المكلف بها في كل الميادين بلا تخاذل وتردد لأنه يخاف من التقصير في جنب المولى الكريم.. وكما يقولون إذا أردت أن تنجز عملاً فكلف (مشغولاً).. لا متكاسلاً و(مشغولاً) بأمور الحياة..

ورد عن ابن إسحاق في غزوة مؤتة قوله صلى الله عليه وسلم: ".. ثم أخذها (أي الراية) عبدالله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا، ثم قال: لقد رفعوا إلي في الجنة، فيما يرى النائم، على سرر من ذهب، فرأيت في سرير عبدالله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه. فقلت: عم هذا؟ فقيل لي: مضيا، وتردد عبدالله بعض التردد، ثم مضى.

إشراقة:

لا تترد في عمل الخير.. فلعل تلك اللحظات التي ترددت عنها.. هي من تنجيك يوم القيامة.