نعيد ونذكّر أن الدول المقاطعة لقطر تطالبها بوقف تمويل وتحريض التنظيمات المسلحة، هنا لب القصيد حتى لا نضيع بقصة حصار ومقاطعة، ونعيد ونذكر أن التنظيمات المسلحة وتفرعاتها هي من نحاربه ونسعى لوقف تمويلها، إذاً الدول التي اصطفت مع قطر تحرضها على الاستمرار في تمويل التنظيمات المسلحة، أين المفارقة؟ المفارقة أن من يدعم قطر الآن ويحرضها على استمرار دعم التنظيمات المسلحة هما إيران وتركيا، الدولتان اللتان تدعيان أنهما حامي حمى الطوائف العربية الدينية، إيران تدعي أنها من يحمي الشيعة العرب من الإرهاب السني، وتركيا تدعي أنها من تحمي السنة العرب من الإرهاب الشيعي!! كيف إذاً يجتمعان مع ممول تلك التنظيمات في خندق واحد؟

أصابني الدوار وأنا أحاول أن أفهم، لحظة... أليست إيران حامية الشيعة العرب؟ ألا تدعي أنها موجودة في سوريا لحماية المراقد وحماية الشيعة من التنظيمات الإرهابية المسلحة؟ أليس من المفروض أن تؤيد إيران الدعوة السعودية وتحث قطر على وقف تمويل من تدعي أنها تحاربهم؟ أليست حماية الشيعة العرب الذين فجرت تلك التنظيمات مساجدهم وقتلت منهم المئات بل الآلاف مهمة إيرانية؟ ما هذه المفارقة إذاً؟ إيران تقف مع الدولة التي تمول قتلة الشيعة العرب؟

ثم إذا كانت تركيا قادرة على تحريك دباباتها لحماية السنة العرب المظلومين والأقلية كما قالت عن مبرراتها لنقل الدبابات التركية لقطر باستصدار قرار من البرلمان التركي في ساعات، أين كانت تلك الإرادة وتلك الدبابات والسنة العرب يذبحون على بعد كيلومترات منها؟

المسألة إذاً أن إيران وتركيا تداعتا لا لحماية الشعب القطري أو قطر الدولة بل تداعتا لحماية «الكاشير» الذي مول التنظيمات المتقاتلة على الأراضي العربية، تداعتا بمعنى آخر لحماية مشروعهما، المتمثل في الاحتراب الطائفي العربي، الممول لهذا الدمار الذي حاق بدولنا العربية هو قطر ورعاة المشروع هما تركيا وإيران، وحماية الممول الآن هو حماية للمشروع أو ما تبقى منه بعد انفضاح أمره، القصة انكشفت أكثر وأكثر.

قطر لن تتخلى عن مشاركتها في المشروع فالأمر ليس بيدها، بل بيد تركيا وإيران، وحمد بن خليفة سلم مفتاح الخزنة للاثنين، والاثنان «تركيا وإيران» هما من سهلا عمليات الاتصال بتلك التنظيمات لتقوم بمهامها على الأرض وسهلا تمويل تلك التنظيمات، كي تحرق الأرض ومن فيها وما عليها وتستلم تركيا وإيران الأرض المحروقة جاهزة، فلا إيران يهمها إنقاذ الشيعة العرب من التنظيمات السنية المتطرفة ولا تركيا يهمها إنقاذ السنة، فالاثنان يبحثان عن مشروع تقاسم فتات الدول العربية يساعدهما قطيع من التابعين الذين صدقوا الخدعة، والذين لم يستوعبوا الصدمة والفضيحة المدوية إلى الآن، وقد يرفضون تصديقها حتى بعد انقشاع الضباب وحتى بعد وضوح الحقيقة ماثلة في فريق يصطف مع التنظيمات الإرهابية وفريق يتصدى له.

السعودية ومعها الإمارات والبحرين ومصر هم من يتصدى لهذا المشروع الدموي وذلك الخراب ووضعوا المجتمع الدولي أمام استحقاق ادعاءاته بمحاربة الإرهاب، وكشفوا أسرار اللعبة، وفضحوا الشركاء، ومازال شيعة العرب وسنتهم يصدقون أن إيران راعية لهم وتركيا حامية لهم.

هل عرفتم الآن من فجر مساجدكم ومراقدكم؟ هل عرفتم من مول قتلكم؟ هل عرفتم من يرفض اليوم وقف القتل فيكم؟

قبل أن أنهي المقال، لا ننسى السؤال المكمل أين إذاً الولايات المتحدة الأمريكية من هذا كله، الجواب هو «مشروع الشرق الأوسط الجديد» الذي كان سيقسم المقسم والذي من المفروض أن تحكمه قوى الإسلام «المعتدل» وهم جماعتا الإخوان ومقرها تركيا كما روجوا له، والولي الفقيه ومقرها إيران، جماعتان «ودعيتان معتدلتان» لن تضايقا إسرائيل وستضبطان المتطرفين من العرب «الهمج» فلا يجرؤ أحد على مهاجمة الغرب وحضارته، والأهم أن الصراع بينهما سيتأجج عاجلاً أم آجلاً ويطيل مرحلة الانشغال عن إسرائيل.

كل يوم يمر تنقشع غيمة ضبابية، كل يوم يمر ينكشف المستور، كل يوم يمر يفرك القطيع عينه بين مصدق وبين مكذب... لا نلومهم إن رفضوا التصديق فالصدمة أكبر من قدرتهم على الاستيعاب إنها تحطم كل الذهنية والعقلية والقيم والثوابت التي تربوا عليها لأكثر من جيلين.. كان الله في عونهم.