تسعى اليوم كل من إيران وتركيا إلى خطب ود دولة قطر، بعد أن واجهت مقاطعة كل من المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية واليمن وليبيا، ودول أخرى، بالمكابرة. وهنا رأت إيران فرصة ذهبية لها «لزيادة الطين بلة»، كما يقال بالعامية وعرضت على قطر تصدير الأغذية إليها على خلفية إغلاق حدود الأخيرة مع السعودية. وقد أعلن أحد المسؤولين الإيرانيين المقربين من الرئيس حسن روحاني أن «عهد الشقيق الأكبر انتهى»، وذلك في إشارة إلى كون المملكة الراعي لدول الخليج. وإيران لا تعرض المساعدة لقطر خوفاً على مصلحة البلد الصغير المجاور لها ولكنها تنتهز الفرصة لتأزيم الأزمات في المنطقة فسياستها مع دول الجوار تقوم على بث الفتن ونشر الطائفية. كما رأت تركيا فرصة لنشر نفوذها في المنطقة العربية فتبنى البرلمان التركي اتفاقيتين تسمحان بنشر قوات عسكرية في قاعدة تركية في قطر تطبيقاً لاتفاقية الدفاع المشترك. وقطر للأسف ليس لديها سياسة بالمعنى الذي يتضمن استراتيجية متماسكة أو خطاً سياسياً وإنما تتصرف مع العالم الخارجي بشكل آني وأناني. وأبرز سمات السياسة القطرية هي التناقض، فمن جهة هي تعتبر «حزب الله» اللبناني مقاومة شرعية، بالرغم من تعديات هذا الأخير على الشعب السوري، وتدعم من جهة أخرى جبهة فتح الشام، وهي من الفصائل المعارضة المتطرفة. ومن جهة أخرى تدعم «حماس»، وفي ذات الوقت تتفاخر بعلاقتها بدولة الكيان الصهيوني. وهنا يدور السؤال، لماذا تتصرف قطر بهذا الشكل؟ قطر تتصرف بهذا الشكل لأنها بلد صغير لديها عدد سكان قليل تود أن تأخذ حجماً أكبر من حجمها الفعلي وترفض رعاية المملكة العربية السعودية التي هي بمثابة الأب الروحي لدول الخليج. ولذلك قطر لا تتصرف انطلاقاً من عمق خليجي أو عربي وإنما بشكل انتهازي. لذلك فهي تحاول أن تجد لنفسها دوراً في الأزمات، دون أن يكون هذا الدور نابعاً من سياسة معينة. وهذا السعي لأن يكون لها دور في كل أزمة بغض النظر عما يمكن أن تكون نتيجة التدخل أو لصالح من تتدخل زاد من وطأة الأزمات في المنطقة. وقد حصلت عدة مواجهات بين دول الخليج وقطر، قبل سنوات، ولكن اليوم وبشكل شبه جماعي مع مؤازرة مصر يتم عزل قطر بالمقاطعة. واليوم أمام قطر مسؤولية كبيرة لأن بالتفافها نحو إيران ستسبب تصدع البيت الخليجي. ودول مجلس التعاون الخليجي هي التجربة الوحيدة الناجحة للتعاون بين الدول العربية الشقيقة. وفي وسط الفوضى والعنف اللذين يعمان المنطقة، لا شك في أن الخليج هو السند الأخير للدول العربية. ومن هنا مسؤولية قطر بالرجوع إلى العمق العربي والعمق الخليجي والوعي بأن كلاً من إيران وتركيا اليوم تستفيدان من الأزمة وليس هدفهما مصلحة قطر. وحتى لو عرضت اليوم إيران وتركيا على قطر المساعدة فتلك المساعدة ستزيد في اشتداد الأزمة ولن تعود بالفائدة على قطر على المدى البعيد.