لا أعرف إذا كان «الإخوة» في قطر يقرؤون تاريخهم جيداً، أو حتى إذا كانوا يقرؤونه على الإطلاق، ولكن دعني أدعوهم هنا ليقرؤوا هذا الفصل القصير من تاريخهم المأخوذ من بوابة «دولة قطر» على موقع «ويكيبيديا» والمعد على ما يبدو من قبل جهة رسمية قطرية.

تقول الرواية إنه عندما دخلت القوات العثمانية إلى الأحساء عام 1871م، طلب الشيخ قاسم بن محمد بن ثاني «الذي يلقب بمؤسس دولة قطر الحديثة» من العثمانيين في الأحساء حمايته من أي اعتداء خارجي، لذا رحب المتصرف مدحت باشا بابن ثاني وعينه قائم مقام على قطر «بعد أن كان شيخاً مستقلاً على عموم قطر»، وذلك بعد أن حرك مدحت باشا قوى كبيرة لحمايتها مما أزعج بريطانيا التي دخلت في صراع شبه دائم معه ومنعت قوات الشيخ قاسم من التوسع جنوباً باتجاه «أبوظبي تحديداً». «لاحظوا أنه كان يطلب الحماية من أي اعتداء خارجي أي من القبائل العربية المجاورة، ولكنه كان يستغل الظرف ووجود الأتراك ليقوم هو بمهاجمة تلك القبائل».

وقد أدت جهود العثمانيين إلى زيادة قوتهم في قطر عن طريق تعيين مسؤولين عثمانيين بما في ذلك إداريين في مدن الزبارة والدوحة والوكرة وخور العديد، وأيضاً عن طريق إنشاء جمرك في الدوحة وكذلك تعزيز الحامية العثمانية في الدوحة، أي أنهم قاموا عملياً بضم قطر إلى نطاق سيطرتهم وأصبحت مجرد محمية تابعة لهم، وكل ذلك أدى إلى نشوب حرب مع الشيخ قاسم في شهر مارس 1893م في الوجبة على مسافة 15 كيلومتراً غرب الدوحة، حيث استطاع الشيخ قاسم وقواته إلحاق الهزيمة بالعثمانيين في معركة الوجبة وتعتبر هزيمة العثمانيين هذه بمثابة علامة بارزة في تاريخ قطر الحديث.

ما لم يقله نص «ويكيبيديا» أعلاه، وهو موثق في الكثير من المراجع الأخرى على كل حال، أن قاسم آل ثاني لم يهزم الأتراك العثمانيين وحده، بل إن «فزعة» القبائل العربية من الأحساء والبحرين وبني ياس، التي كان يريد أن يغزوها، هم من فزعوا له وأنجدوه وانضموا إليه في جيش عربي موحد أدّب الأتراك ولقنهم درساً بليغاً وسمح للشيخ قاسم باستعادة سيادته على قطر والعودة لحكمها كشيخ عربي مستقل يحكم بلاده باستقلال وسيادة. وكان هذا التحالف هو نواة الحلف العربي بعد ذلك بعشرين عاماً «1913» الذي أخرج الاحتلال التركي من شرق الجزيرة العربية.

تذكرت هذا الكلام كله وأنا أشهد احتفاء البعض في «قطر اليوم» و»ضيوفها الأعزاء» بتأسيس القاعدة التركية في قطر وإرسال خمسة آلاف جندي عصملي للأراضي القطرية وفرحتهم باعتبار ذلك يحميهم من وهم «عداء أشقائهم لهم». وتساءلت: ألم يتعلموا من الدرس؟

الظاهر انهم لم يتعلموا، فهم إضافة إلى الأتراك أحضروا الفرس المجوس الصفويين، وفق ما أفادت تقارير إعلامية الأسبوع الماضي عن استقدم وحدات من الحرس الثوري الصفوي لحماية أمير النظام القطري، هذا عدا عن التعاون القديم والمتمثل في وجود ملحق عسكري من الحرس الثوري في السفارة المجوسية في الدوحة.

ترى ماذا يعني ذلك كله؟ باختصار، يعني غياب الرؤية والتخبط حتى على مستوى التخطيط الاستراتيجي المستقبلي، لأنه لا يمكن لأي إنسان لديه الحد الأدنى من الحس الاستراتيجي أن يضع عدوين مجربين بالعداوة في بيته تحت مزاعم الخشية من أشقائه المجربين بالفزعة وله والدفاع عنه.

وإذا كان هنالك من لايزال لديه عقل في حلقة الحكم القطرية، أود أن أقترح عليه أن يقرأ ملامح الفرح في إعلام طهران وأنقرة بمقاطعة دول الخليج للنظام القطري، فهي فرصة لهما لدس أنوفهما فيما يعنيهما، والأسوأ أن بعض الأبواب تفتح خصيصاً لهذه الأنوف.

يزعم أحد حمقى إعلام النظام القطري أن هنالك أطماعاً إقليمية لدولة الإمارات التي حسب زعمه تريد ضم قطر كإمارة ثامنة، وأرد عليه بالتذكير أن الاتفاقية التساعية لاتزال من ناحية قانونية سارية ومعترفاً بها في قطر وأرشيفكم القانوني يقول ذلك، ولو كانت لدينا مطامع غير المحبة والأخوة لكنا استخدمنا القوة لمنع الانقلاب الأول عام 1971 فشرعية الاتفاقية التساعية كانت تسمح لنا بذلك خاصة وأنها لم تكن تسمح بالانسحاب من الاتحاد. لكننا لم نفعل لأن قوة نجاح اتحاد الإمارات تتمثل في الوحدة الاختيارية الطوعية وليس الجبرية، فافهم يا من لا تفهم.

وفي كل الأحوال، تذكير بسيط لمن بيدهم مقاليد الأمور في الدوحة، تذكروا أنكم بتحالفاتكم الشيطانية تفتحون على أنفسكم أبواب الجحيم، وإذا أردتم مثالاً فتذكروا حجم الشتائم والإساءات التي تعرضتم أنتم لها من إعلام عصابة الإخوان عندما سرت شائعات، مجرد شائعات، عن مصالحة محتملة بينكم وبين حكومة الرئيس السيسي في مصر. وإذا لم يكن هذا مؤشراً مقلقاً لكم وجرس إنذار يلفت انتباهكم لطبيعة المخاطر التي تضعون فيها أنفسكم، فماذا تنتظرون بعد ذلك.

وأنتم يا أهلنا يا أهل قطر، أقول لكم بصراحة: افهموا الدرس جيداً، لأنه في وقت الجد لن ينقذكم إلا أشقاؤكم، وليس الذئب المرتدي لباس الصديق!

حمى الله الخليج من أعدائه والمتربصين به، وحمى الله قطر من بعض أهلها.