ما زلت أذكر ملياً كيف كنا نودع رجال الأمن البواسل كل يوم قبل خروجهم من بيوتنا للذود عن أمن الوطن خلال فترة السلامة الوطنية التي أعلنتها البحرين في أزمتها السياسية في فبراير 2011، وما بعدها، ما زالت بعض التفصيلات حاضرة وكأنها حدثت ليلة البارحة، فرجل أمن منكب على أقدام والديه يطلب رضاهما قبل كل مرة يخرج فيها من منزله تلبية لنداء الطوارئ، وآخر يستودع الله زوجته وأبناءه ليغادر بيته مع اقتراب موعد نوبته في العمل، وأبناء يحتضنون هؤلاء البواسل من سيقانهم يرجونهم العودة سالمين، وقلق رهيب تشتعل له الدماء يسود بين عموم المواطنين المخلصين، يتبادلون تعبيراً عنه الاتصالات فيما بينهم عقب كل خبر تفجير في مكان ما، أو اضطراب في آخر، للإطمئنان على أقاربهم من الشرطة، بينما يحمل هؤلاء أكفانهم على صدورهم فداءً للوطن.

كنت طفلة لم تتجاوز السادسة من العمر.. ولكني أذكر جيداً كيف احتفى الشعب الكويتي بدخول أبنائه العسكريين على رأس طلائع قوات التحرير، أيضاً في فبراير من العام 1991، بل كيف احتفى الخليج العربي كله بتحرير الكويت آنذاك. يومها ألبستني حبيبتي أمي ثوباً مصمماً على شكل علم الكويت وزينت شعري بأوراق وبذور «المشموم»، لأشارك في الاحتفالات التي أقامتها البحرين ومؤسساتها، من بينها حفلة «روضتي» عندما كنت في سنتي الأخيرة بالمرحلة التمهيدية، كنت أرى الدموع تنهمر فرحاً من حولي، بينما أردد أهازيجي الاحتفالية «وطني الكويت سلمت للمجد». كل ذلك.. كان احتفاءً بالكويت وأبطالها، ولم أكن أعلم أن القدر كان قد خبأ لي أصدقاءً لا يتكررون من أبطال التحرير بعد مضي قرابة 23 عاماً من احتفائي بهم..!!

في كل دول العالم يعود الجنود بعد الحرب في مسيرات، وتستقبلهم الشعوب تكللهم بأطواق الورود وتغمرهم بأهازيج احتفالية عظيمة، نشوة بانتصاراتهم وبطولاتهم. ولكم كنت أتمنى أن يحظى رجال أمننا في البحرين بمثل هذا الاحتفاء بعدما كانوا الدرع الحصين لاستعادة وطن كان على قيد الاختطاف. وتكررت الأمنية مجدداً مع جنودنا الأشاوس العائدين من مشاركتهم في «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» في ذود مشرّف ليس عن بلادهم البحرين فقط، وإنما عن محيطهم الإقليمي بأسره، عن منظومة دول مجلس التعاون برمتها، من بحر الخليج العربي حتى البحر الأحمر، ومن خليج عمان حتى الخاصرة في خليج عدن. عاد جنودنا ولبقية الدفعات عودة يكللها الانتصار إن شاء الله، لكننا لا نحتفي بهم لأننا نفتقر لثقافة استقبال الجنود، رغم أن هذا التكريم الجماهيري الشعبي يعني الكثير لتضحيات هؤلاء الأبطال، يعني الكثير أمام معاناة ذويهم، كما يعني الكثير لكل جندي قادم على مرحلة أخرى من المعركة بدلاً عن الأوائل.

* اختلاج النبض:

لقد أثلج صدري تكريم سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد، للعسكريين المشاركين في قوة الواجب /11، والذين قدمهم لسموه العميد الركن سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، ليتسلموا من سموه الأوسمة التقديرية التي تفضل بمنحها لهم ملكنا المفدى القائد الأعلى، وكأن البحرين كلها تقول للمستشهدين وللعسكريين العائدين والمقبلين على الحرب «أبطالنا.. أنتم فخر الوطن». قيادتنا أغنت عن حفاوة الشعب.. و«كفت ووفت».