ها قد انتهي شهر رمضان الفضيل في غمضة عين، وفي نهاية كل شهر يمكن للمسلم أن يجري «جردة» سريعة لما قام به وما استفاد منه من الشهر الكريم وما أضاع منه، فشهر رمضان كزمن لا يختلف عن بقية شهور السنة وفصولها، فهو يحتوي على نحو 30 يوماً وعلى ساعات مخصصة وعلى الليل والنهار، وإنما يفرق هو عن بقية الأشهر الأخرى في مدى الاستفادة الإيجابية الناجزة من الشهر قدر المستطاع لأجل مسيرة بقية الأشهر القادمة من السنة، فالصوم الذي لا يغيِّر من طبائعنا السلبية وغير الأخلاقية فهو صوم تالف، والصوم الذي لا ينهانا عن فعل الرذائل والسلوكيات المُعيبة كالإسراف والتخمة في الطعام والشراب وعدم الاقتصاد في كل ما هو زائد عن حاجتنا البشرية فهو صوم لا قيمة له سوى الجوع والعطش.

ليست الصعوبة في الصوم نفسه الذي يتمثل في الامتناع عن الطعام والشراب فقط، بل الصعوبة واللذة الحقيقية تكمن في الصوم الذي يهذب وعينا وسلوكنا ويأخذ بأيدينا لتحسس حاجة الفقراء والضعفاء من الناس، فالصوم الحقيقي هو أن يتفاعل الإنسان مع الآخرين من المحتاجين وأن يكون سلوكه مستقيماً بعيداً عن الانحراف الأخلاقي والابتعاد عن الممارسات الشاذة طيلة أيام العام، فالموظف يجب أن يكون أميناً أكثر في عمله والطالب أكثر إخلاصاً في تعلمه والمواطن أكثر وفاء لوطنه، فالتعاليم غير المرئية من الصيام تتمثل في السلوك والممارسات لا في الأقوال والابتعاد عن الطعام والشراب فقط، فكل إنسان يمارس الكثير من الموبقات الخاصة بحقوق الآخرين وسلبها وهو صائم فإن صومه لم يكن سوى في امتناعه عمَّا يدخل معدته، وبهذا فصوم المحتال والكاذب والسارق والمخرِّب والمفسد لا قيمة له عند الله ولا عند أضعف خلقه، فالصوم الحقيقي هو أن ينتج الإنسان لنفسه الكثير من المكْرَمَات ولوطنه العديد من المعجزات، وليس الصوم أن يستنفر الإنسان لمعدته الخاوية لبضع الأوقات، وقبل وقت الإفطار يقطع الإشارة الضوئية في سبيل إدراك فطوره ولو كان ذلك على حساب حياة الآخرين، فالصوم الفاعل هو أن يكون الإنسان كاملاً في وعيه وسلوكه لا متخماً في طعامه وشرابه.

في نهاية الشهر الفضيل نقول لكم تقبل الله أعمالكم وأعاد الله عليكم الشهر الفضيل ونحن وإياكم في حالٍ أفضل من هذا الحال، وفي يوم العيد نقول للجميع كل عام وأنتم بألف خير والبحرين بألف ألف خير.