سلمت دولة الكويت التي تقوم بمهمة الوساطة بين دول الخليج الثلاث، مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بالإضافة الى جمهورية مصر العربية قائمة بمطالب الدول الأربع إلى قطر لتنفيذها كشرط لعودة العلاقات الدبلوماسية، وتتضمن 13 بندا تتم الموافقة عليها خلال عشرة ايام من تاريخ تقديمها وإلا تعتبر لاغية، حيث لم يعد أمام قطر إلا خيارين، المصالحة أو العزلة.

وتستهدف المطالب المقدمة للدوحة تحقيق استقرار دول المنطقة وتماسكها ووحدتها والوقوف بحزم تجاه التدخلات الأجنبية، إلى جانب وقف دعم الجماعات الإرهابية والمشبوهة التي تستهدف زعزعة أمن واستقرار المنطقة.

وشملت قائمة المطالب إعلان قطر رسمياً خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق ملحقياتها ومغادرة العناصر التابعة والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني الأراضي القطرية، والاقتصار على التعاون التجاري بما لا يخل بالعقوبات المفروضة دولياً على إيران وبما لا يخل بأمن مجلس التعاون لدول الخليج العربية وقطع أي تعاون عسكري أو استخباراتي مع طهران.



وتضمنت المطالب إغلاق قطر الفوري للقاعدة العسكرية التركية الجاري إنشاؤها حالياً ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل الأراضي القطرية، وإعلان قطر قطع علاقاتها مع جميع التنظيمات الإرهابية والطائفية والإيديولوجية وعلي رأسها تلك التنظيمات التي تهدد مملكة البحرين وغيرها من منظمات وردت في قائمة المنظمات التي تدعمها قطر المعلن عنها من الدول الأربع، ومن أبرزها جماعة الإخوان وداعش والقاعدة وفتح الشام (جبهة النصرة سابقا) وحزب الله اللبناني، وإدراجها ككيانات إرهابية وضمها إلى قوائم الإرهاب وإقرارها بتلك القوائم والقوائم المستقبلية التي سيعلن عنها.

كما شملت المطالب، إيقاف جميع أشكال التمويل القطري لأفراد أو كيانات أو منظمات إرهابية أو متطرفة، وكذلك المدرجون ضمن قوائم الإرهاب في الدول الأربع، والقوائم الأمريكية والدولية المعلن عنها، وقيام قطر بتسليم جميع العناصر الإرهابية المدرجة والعناصر المطلوبة لدى الدول الأربع، والعناصر الإرهابية المدرجة بالقوائم الأمريكية والدولية المعلن عنها والتحفظ عليهم وعلى ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة لحين التسليم، وعدم إيواء أي عناصر أخرى مستقبلاً والالتزام بتقديم أي معلومات مطلوبة عن هذه العناصر خصوصاً تحركاتهم وإقامتهم ومعلوماتهم المالية وتسليم كل من أخرجتهم قطر بعد قطع العلاقات وإعادتهم الى أوطانهم، بالإضافة إلى إغلاق قنوات الجزيرة والقنوات التابعة لها.

واشتملت المطالب على وقف التدخل في شؤون الدول الداخلية ومصالحها الخارجية، ومنع التجنيس لأي مواطن يحمل جنسية إحدى الدول الأربع وإعادة كل من تم تجنيسه في السابق بما يخالف قوانين وأنظمة هذه الدول، وتسليم قائمة تتضمن كل من تم تجنيسه من هذه الدول الأربع وقطع الاتصالات مع العناصر المعارضة للدول الأربع وتسليمها كل الملفات السابقة للتعاون بين قطر وتلك العناصر.

وطالبت الدول الأربع قطر، بالالتزام بأن تكون دولة منسجمة مع محيطها الخليجي والعربي علي جميع الأصعدة (عسكرياً – سياسياً – اقتصادياً – اجتماعياً – أمنياً) بما يضمن الأمن القومي الخليجي والعربي وقيامها بتفعيل اتفاق الرياض لعام2013، واتفاق الرياض التكميلي لعام 2014، وتسليم قطر جميع قواعد البيانات الخاصة بالمعارضين الذين دعموهم، فضلاً عن إيضاح كل أنواع الدعم الذي قدم لهم، وإغلاق جميع وسائل الإعلام التي تدعمها قطر بشكل مباشر أو غير مباشر.

المتابع لهذه المطالب، يلاحظ أنها لم تخرج بعيداً عن بنود اتفاق الرياض، الذي جرى التوقيع عليه من جانب قطر عام 2014، بما يبطل أي حجة أمام الدوحة لرفضها، حيث البنود الـ 13 إعادة صياغة لاتفاق الرياض، بطريقة لا تسمح لقطر بالمراوغة والتهرب من التنفيذ.

وتتمحور هذه المطالب حول بنود اتفاق الرياض التي طالبت الدوحة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس والتوقف عن دعم الإرهاب ودعم إيواء جماعات إرهابية في الدوحة، فضلاً عن الدعم الإعلامي للإرهاب باستخدام قناة الجزيرة، وعدم التعاون مع الدول أو التنظيمات أو أن تكون قطر منطلقاً للأعمال الإرهابية أو تهديد أمن واستقرار باقي الدول الخليجية، وهذه البنود هي نفسها المتضمنة في قائمة المطالب بشكل أكثر تفصيلاً ودقة.

المطالب الثلاثة عشرة، لا لبس فيها ولن تستطيع الدوحة التملص منها، فهي دقيقة في صياغتها، ومحددة وواضحة، وهو ما حرصت عليه الدول الأربع بعد أن التفت قطر على اتفاق الرياض بالإيهام بتنفيذه في العلن بينما هي في الحقيقة لم تنفذ أي بند من بنوده، حيث انعدمت الثقة والمصداقية بالجانب القطري، وهو ما استدعى قائمة مطالب جديدة حازمة، لتسد أي باب يمكن أن يوجد مبررات لعدم تنفيذها.

وحددت الدول الأربع المطلوب من الدوحة للعودة إلى الصف الخليجي والعربي بدون مواربة، ومن ذلك ذكر الدول والمنظمات الإرهابية التي يجب وقف التعاون معها فوراً، وعدم دعم أو إقامة علاقات معها بعد أن ثبت بالأدلة القاطعة أنها تضمر الشر للخليج وللدول العربية، وسعت إلى تقويض أمنه واستقراره، وفي مقدمتها النظام الإيراني الإرهابي وأتباعه في المنطقة من التنظيمات الإرهابية في مملكة البحرين وحزب الله اللبناني، وتنظيم الإخوان المسلمين الذي تحتضن قطر قياداته والعناصر المتهمة بتنفيذ أعمال إرهابية في بلدان عربية شقيقة كالإمارات ومصر.

كما كانت المطالب واضحة بشأن مهددات الأمن العربي ومنها إقامة قواعد عسكرية في قطر تهدد أمن الخليج أو الاستعانة بقوات عسكرية من دولة معادية وهي أمور شديدة الخطورة على الأمن الخليجي والعربي، حيث تظل هذه قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت.

كما كانت المطالب واضحة بشأن قناة الجزيرة، تلك الجرثومة التي تنخر بالجسد العربي عن طريق بث سمومها، والتي لطالما استخدمتها الدوحة لضرب الاستقرار في المنطقة، وهو ما كشفت عنه المحادثات الهاتفية بين مستشار أمير قطر والإرهابي حسن سلطان، فضلاً عن أحداث ما يسمى بالربيع العربي، والذي أشعلت قناة الجزيرة أحداثه، مستغلة الشعارات البراقة والتمويل الضخم لها لتكون مشاركاً في الحدث وليس فقط ناقلة له كما يقتضي دورها الإعلامي، كما أصرت انها كانت تصر على استضافة الخارجين عن القانون وإذاعة بيانات تنظيم القاعدة الإرهابي وكأنها متحدث باسمه، وبث مشاهد القتل والذبح التي يقوم بها في ترويج ماكر للتنظيمات الإرهابية.

وجاء تحديد المدى الزمني للموافقة على قائمة المطالب، ومدة أخرى يتم خلالها مراقبة تنفيذ الدوحة للقائمة كإجراءات لابد منها وغاية في الأهمية لضمان التزام قطر بمدى زمني واضح لتنفيذ ما تتعهد به، وإلا فسيظهر أمام العالم كله أنها تخل باتفاقاتها، حيث حددت الدول الأربع مدة زمنية لحكومة الدوحة لتجيب على هذه المطالب وهي 10 أيام، وإلا تعتبر هذه المطالب لاغية.

هذا التحديد الزمني مهم، حتى تدرك قطر جيداً أن جيرانها لن يتركوا لها المجال مفتوحاً للتهرب من التزاماتها، كما لا يمكن لها اللعب على الزمن كما جرى في اتفاق الرياض، عندما استغلت وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز طيب الله ثراه لتتملص من تنفيذ الاتفاق.

كما جاء في قائمة المطالب أن يخضع الاتفاق على تنفيذها للمراقبة، وتصدر بشأنه تقارير شهرية في السنة الأولى ثم كل ثلاثة أشهر في السنة التالية ثم تقرير سنوي لمدة عشرة أعوام، وهذا الإجراء الرقابي مهم جداً لجهة التحديد الزمني لتقارير المراقبة ولجهة وضوح النتائج وتبيان تنفيذ قطر لقائمة المطالب من عدمه.

وتضع قائمة المطالب الثلاثة عشرة قطر بين خيارين لا ثالث لهما فإما التنفيذ الدقيق لها أو أن تواجه عزلة خليجية وهو ما عبر عنه وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش والذي أكد أن على قطر إما التعامل مع مطالب وشواغل جيرانها بجدية، ودون ذلك فالطلاق واقع.

فالمطالب هذه المرة شديدة الوضوح ولا مجال لتأويلها والطريق واضح إذا أرادت قطر تنفيذها، أما إذا استمرت في عنادها ومكابرتها فإنه لا حل أمام الدول الأربع سوى السير في طريق المقاطعة ولو لسنوات، وهذا الأمر سيعرض قطر لعزلة إقليمية ودولية، حيث يتضامن العالم مع المطالب المستحقة للدول الأربع، خاصة بعد الكشف خلال الأيام الماضية بالأدلة والبراهين التي لا تقبل الشك عن بعض من جوانب المؤامرات القطرية على دول الخليج والدول العربية، وهناك حاليا أكثر من 20 دولة في العالم أعلنت اتخاذ إجراءات عقابية بحق قطر.

استمرار الأزمة سيدفع دولاً أخرى إلى السير في نفس الاتجاه، مما يعني عزلة كبيرة للدوحة، وآثار اكبر على اقتصادها، فلذلك على الدوحة الإذعان لصوت العقل والاستجابة للمطالب العادلة لشقيقاتها وإلا فإن عليها أن تتحمل وزر عنادها.

تسريب السلطات القطرية بخطوة طائشة لقائمة المطالب إلى وسائل الإعلام، جاء لإجهاض جهود الدبلوماسية لحل الأزمة، حيث يعد دليلاً جديداً على عدم جديتها في إنهاء الأزمة وعدم نيتها في تنفيذ هذه المطالب، بما يدفع لمزيد من التصعيد.

ولا شك أن قيام الدوحة بهذه الخطوة ينم عن عدم تقدير للجهود المضنية التي تقوم بها دولة الكويت الشقيقة للوساطة، فهذا الإجراء القطري غير العقلاني بتسريب قائمة المطالب يمثل إعلاناً عملياً بفشل جهود الوساطة، وهذه مراهقة سياسية غير محمودة العواقب وسيكون لها آثارها السلبية على قطر، ويضع الدوحة على بعض خطوات من طلاق خليجي وعربي، وربما دولي، كحل نهائي لمواجهة التحديات التي تمثلها على الأمن الخليجي، وهو ما أكده قرقاش بالقول إن "التسريب يسعى إلى إفشال الوساطة في مراهقة تعودناها من الشقيق"، وأضاف: من يسعى للحل الديبلوماسي يحترم الوساطة وأعرافها ويتحرك بجدية عبرها، يناقش ويدافع، أما التسريب والهجوم الإعلامي المصاحب فهو دليل ارتباك.

ويؤكد الوزير الإماراتي أنه "لا يمكن القبول باستمرار دور الشقيق كحصان طروادة في محيطه الخليجي ومصدر التمويل والمنصة الإعلامية والسياسية لأجندة التطرف"، وأكد أن "على الشقيق (قطر) أن يدرك أن الحل لأزمته ليس في طهران أو بيروت أو أنقرة أو عواصم الغرب ووسائل الإعلام، بل عبر عودة الثقة فيه من قبل محيطه وجيرانه".

ما قامت به قطر رداً على تقديم المطالب من تصرفات لا ينم عن الرشد والحكمة، ويؤكد أنها ما تزال تتخبط وتتصرف من دون مسؤولية، فماذا كانت تنتظر من الدول الأربع بعد كل ما قامت به من تجاوزات، فلم يبق للدوحة من أصدقاء في العالم العربي، فهي تتآمر على السعودية والإمارات والبحرين وتسيء للوساطة الكويتية، وتعبث في سوريا والعراق ومصر واليمن، وسعت سابقاً للعبث في الأردن وتمد خيوط مؤامراتها إلى ليبيا وتونس، وتكرس الانقسام الفلسطيني، ولديها قصص لا تروى في بقية الدول، وأمام هذا المشهد كيف يمكن للدوحة أن تدعي أنها من البيت الخليجي، ومن العائلة العربية الكبرى؟!

وكان لزاماً على الدول الأربع وفق مسؤولياتها التاريخية ودورها القيادي في حماية الأمة والذود بها عن طريق الفوضى، أن تقدم مطالب واضحة ومحددة وصارمة لقطر هذه المرة حتى لا تسمح بتكرار تجربة نقض العهود التي اعتادت عليها الدوحة، وإيجاد ضمانات مقبولة وآليات واضحة للتنفيذ، حتى لا تعيد الدوحة نفس سيناريو اتفاق الرياض، فقد آن للدوحة أن تتوقف عن أدوارها التآمرية على المنطقة، من دعم وتمويل وتسليح للتنظيمات الإرهابية المتشددة، وزعزعة أمن واستقرار بلدان عدة بالتدخل في شئونها ونشر الإرهاب بها خدمة لأجندتها المشبوهة التي تحمل توقيع ولاية الفقيه.

إن قطر تعرف ما عليها فعله، فلتفعله لتعود إلى جيرانها وأشقائها، فلا مكان لأي مناورات بعد كل محاولات التفاهم التي لم تسفر سوى عن زيادة الخطر على دول الجيران والمنطقة.

ومنحت الدول الأربع اليوم الدوحة فرصة للتراجع عن غيها – إذا أرادت - ولكنها قد تكون الفرصة الأخيرة بعد أن جربت معها كل الوسائل للعودة إلى جادة الصواب، فهل تستغلها الدوحة أم تدفعها الرعونة والحماقة إلى السلوك في طريق وعر غير مأمون العواقب؟ وإن كانت المقدمات لا توحي برضوخ الدوحة لصوت العقل بعد تسريبها للمطالب إلى وسائل الإعلام فور تسلمها، مما يحمل في طياته رفضاً ضمنيا لهذه المطالب.