من لا يتفهم أن بإمكان الخليجي أن يحمل حب وطنه في قلبه، وأن يحافظ عليه مخلصاً متفانياً في سبيله، وأن يرجح مصلحته واستقراره في سائر الأيام، دونما اضطرار للاصطفاف مع أي من الفريقين المناوئين، لأنه خليجي الهوى والهوية.. من لا يتفهم ذلك لن يتقبل ما أكتب اليوم، فحب الوطن والانتماء للخليج العربي كالصوت وصداه، وجهان لعملة واحدة، متكاملان لا يلغي أحدهما الآخر، ولذلك فالهوى الخليجي ليس بتهمة كما أصبح يصوره البعض في الآونة الأخيرة، بقدر ما هو وسام وشرف أسقطه كثيرون من على صدورهم عند أول منزلق، وأخذوا في رجم مجلس التعاون.

لم يكن رجال السياسة سبباً في الوجع الذي يعيشه الوحدويون اليوم، فهم يملكون أسباباً يجدونها كافية لاتخاذهم مواقف تجاه بعض القضايا السياسية، ونحن نتفهم ذلك جيداً ونقدره، كما أنهم اكتفوا بقرار أو اثنين وحسب، أثبت قادة دول الخليج العربي من خلالهما تسامحهم وإنسانيتهم البالغتين عندما نأوا بالشعوب عن المعترك السياسي بتأكيد حرصهم على شعوب الدول المناوئة ودعمهم الكامل لها، وأن الشعوب الخليجية كافة إنما هي امتداد لبعضها البعض ومكمل لها على كافة الأصعدة، غير أن الأكثر إيلاماً أن البعض لم ينأ عن تلك القضايا الشائكة لطبيعة عملها في الإعلام أو نشاطها في وسائل التواصل الأخرى. وربما الوجع الأشد على الإطلاق ذلك الألم الذي بات يعتصر المثقفين من «الوحدويين الخليجيين»، الذين لم يكن لمعينهم أن ينضب في أن يجدوا موضوعاً يدافعون به عن الخليج ككتلة وكيان، فإذا بهم بين ليلة وضحاها يقعون في حيرة من أمرهم بحثاً عن المسوغ عن الدفاع وعن الحديث باسم كتلة مقبلة على التفكك!! بل ويقبعون تحت وطأة بعض المطالب الشعبية والضغوط من مؤسسات إعلامية لا تفتر في إلحاحها نحو مزيد من التأجيج لصراع إنما هو إلى زوال قريب إن شاء الله.

فيما مضى.. أثبت التماسك والتلاحم الخليجي، قدرة زعمائنا على تجاوز الخلافات وتضميد الجراح، والمضي قدماً عقب كل خلاف نحو مستقبل أكثر تعاوناً، بينما أصبح المثقف الخليجي الوحدوي اليوم أكثر الواقعين في مأزق المجريات السياسية.

* اختلاج النبض:

يتجرع المثقفون «الوحدويون الخليجيون» المرارة باحثين عن فرصة لإصلاح ذات البين، ولم الشمل من جديد في تقريب وجهات النظر وتكبد عناء نصرة أخيهم ظالماً أو مظلوماً.