في سقطة جديدة مدوية للإعلام القطري، أصدرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بجنيف بيانا صباح الجمعة أعربت فيه عن أسفها لما ورد من أخبار غير دقيقة في وسائل الإعلام القطرية، بشأن اللقاء الذي عقد الخميس بين مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين والممثل الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة في جنيف، حيث أكد البيان أن التصريحات التي أوردها الإعلام القطري على لسان المفوض السامي بشأن الأزمة القطرية مع البحرين والسعودية والإمارات ومصر كانت محرفة لحد كبير.

وكانت وسائل الإعلام القطرية نشرت تصريحات منسوبة للمفوض السامي تدعي فيها أنه قال إن مطالب الدول المقاطعة لقطر لا يمكن تنفيذها، بالإضافة إلى تحريفات أخرى بشأن الإجراءات المتخذة من قبل هذه الدول بحق قطر، في تلفيق واضح للتصريحات الإعلامية لمسؤولي الأمم المتحدة وهي خطوة تصعيدية غير مسبوقة في تاريخ المجتمع الدولي.

ودأبت وسائل الإعلام القطرية على تزوير تصريحات مسؤولين دوليين، إذ سبق وأن حرّفت تصريحات مباشرة، من أحدثها تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي طالب فيها الدوحة بوقف تمويل الإرهاب، حيث قامت قناة الجزيرة - وفي موقف مخزي ينتهك مواثيق الشرف الإعلامية ويؤكد زيف شعاراتها - بتحريف التصريحات لدعم موقفها وتبييض صورتها، ضاربة بعرض الحائط المهنية والحيادية التي يجب أن تتحلى بها كوسيلة إعلامية، وظهرت حقيقة هذه القناة وأنها جزء من المنظومة القطرية لضرب الأمن والاستقرار في المنطقة، وأصبح المواطن الخليجي والعربي يتجنب مشاهدة هذه القناة وقاطعها رجال الفكر والسياسة والصحافة رافضين الظهور على شاشتها مما جعلها في وضع الميت إكلينيكيا بانتظار إعلان الوفاة بشكل رسمي.



وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم قطر فيها بالتزوير في الأمم المتحدة، فالتاريخ والمحافل الدولية تشهد على ألاعيب قطر وأكاذيبها، حيث قامت بتقديم وثائق مزورة في قضية نزاعها الحدودي مع مملكة البحرين أمام محكمة العدل الدولية، ولكن المحكمة الدولية أصدرت حكمها التاريخي بشأن النزاع الحدودي بين البحرين وقطر، والذي نص صراحة على تبني الموقف البحريني، وإثبات تزوير قطر لعشرات الوثائق، وسجلت المحكمة الدولية في العام 1999 رسمياً تخلي قطر عن الوثائق التي ثبت من قبل خبراء المحكمة أنها مزورة.

وتعود وقائع قضية تزوير قطر المثبتة في المحكمة الدولية إلى ما بعد رحيل بريطانيا من الخليج العربي في سبعينيات القرن الماضي، إذ سعت الدوحة على مدار عقود، للاستيلاء على أراض وجزر ضمن السيادة البحرينية، مستخدمة في ذلك كل الوسائل المشبوهة من تزوير وثائق ومراسلات باسم حكام ومواطنين من البحرين، وبعض دول الخليج، واستغلت قطر القمة الخليجية التي عقدت على أراضيها عام 1990 في ظل ظروف قاسية وهي الغزو العراقي لدولة الكويت الشقيقة، واستغلت توقيع البحرين على اتفاق يتيح رفع النزاع إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا.

وفي 8 يوليو 1991، متسلحة بذلك الاتفاق ودون أي اعتبار للوساطة السعودية، توجهت قطر بشكل منفرد إلى محكمة العدل الدولية، وطالبت بإعلان السيادة على جزر حوار وجزيرتي فشت الديبل وقطعة جرادة، وإعادة ترسيم الحدود البحرية.

وفي أبريل عام 1998 قدمت مملكة البحرين طعناً باثنتين وثمانين وثيقة مزورة الأختام والأحبار ونوعية الأوراق، قدمتها قطر للمحكمة لتدعيم قضيتها، وتضمنت وثائق قطر المزورة مراسلات لمواطنين بحرينيين إلى جانب مراسلات من دول خليجية، ليأتي قرار المحكمة الدولية بتبني الموقف البحريني ورفض وثائق قطر المزورة، التي اضطرت لسحبها مرغمة حتى تواري فضيحتها أمام المجتمع الدولي.

وها هي اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية تمارس تضليلاً إعلامياً للرأي العام الدولي وللمنظمات الدولية عن طريق المزاعم التي تروج لها ضد الدول الأربع، رغم أن الأخيرة أصدرت العديد من القرارات مراعاة للحالات الإنسانية، وآخر هذه المزاعم ورد بتقرير للجنة يتضمن معلومات وأرقاماً عن حالات قالت إنها تعرضت لانتهاكات جراء قرار المقاطعة، بينما يبدو واضحاً أنه لا يقوم على أسس منهجية متماسكة، إما لاعتبار قلة الكفاءة التي تشتمل عليها اللجنة فى تشكيلها وأطر عملها، أو لاعتبار هيمنة النظام القطري عليها وتوجيه التقرير الحقوقي ليكون قفزة سياسية للأمام من جانب الإمارة، التي تحاول بكل الطرق الهروب من مسؤوليتها عن التجاوزات التى قادت دول الجوار لقطع العلاقات معها، والاستمرار في سياساتها المقوضة لأمن ومصالح القوى الإقليمية في المنطقة، ومواصلة احتضان التنظيمات المرتبطة بالإرهاب والميليشيات المسلحة في عدد من مناطق الصراع.

إن هذا السلوك من جانب اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية لا يتوافق مع السلوكيات المرجوة من المؤسسات الوطنية واحترافيتها في ميدان حقوق الإنسان، ولم لا وهذه اللجنة تخالف مبادئ باريس لاستقلالية المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، إذ إن أغلب أعضائها من موظفي الدولة ومنتسبون للأجهزة الحكومية.

ولعل هذا ما يفسر سلوكياتها وتغاضيها عن الكشف عن الانتهاكات الحقوقية، ومنها على سبيل المثال انتهاك حقوق العمالة الوافدة، التي أدت إلى وفاة 1200 منهم بسبب الأعمال الإنشائية لكأس العالم، ما ينسف نزاهتها أمام المجتمع الدولي.

ومن الدلائل أيضاً على عدم استقلالية اللجنة القطرية أنها لم تتطرق في تقريرها السنوي إلى متوسط أجر العامل الأجنبي في قطاع الإنشاء، والذي يبلغ 55 سنتاً في الساعة، في مخالفة صريحة للحق في العمل اللائق، والذي كان مثار انتقاد المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، إلى جانب ذلك لم تتطرق اللجنة إلى عدم تنفيذ السلطات إصلاحات تكفل للعمال الوافدين ما يكفي من تدابير حماية في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، ومنها العمل الجبري والإتجار بالبشر، وهنا تجدر الإشارة إلى أن قطر تأتي دائماً في الفئة الثالثة في تقرير الولايات المتحدة الأمريكية حول الاتجار في البشر وهي فئة الدول التي لا تلتزم بالحد الأدنى لمعايير قانون مكافحة الاتجار بالبشر، ولا تبذل جهوداً للحد من هذه الجريمة.

ومن المثير للاستهجان بعد كل هذا أن قطر لم توقع أو تصادق على أي من المواثيق الدولية التي تدعي أن الدول الأربع قامت بمخالفتها، وأهمها العهدين الدوليين لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فأين حمرة الخجل عندما تتحدث عن حقوق الإنسان وهي لم توقع على أهم معاهدتين حقوقيتين دوليتين.

وتجاهل رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية "علي صميخ المري" الحديث أو الإشارة إلى القطريين العالقين في منفذ سلوى، الذين لم تسمح الدوحة لهم بالدخول.

وعلَّق نشطاء قطريون في مواقع التواصل الاجتماعي رداً على ما تقوم به لجنة حقوق الإنسان في دولة قطر من اختلاق الأقاويل بأن رئيس اللجنة تجاهل متعمداً قضية القطريين العالقين في منفذ سلوى، ولم نسمع كلمة داعمة لهم، رغم أن هذه القضية أمامه.

وأشاروا إلى أن دولة قطر تتمسك بالمطلوبين جنائياً والإرهابيين وتقوم بحمايتهم وتوفير الملجأ لهم في حين تتجاهل حقوق القطريين العالقين في المنفذ، التي تسببت بتشريد الآلاف من الأُسر القطرية في انتهاك صارخ لأعراف ومبادئ ومواثيق حقوق الإنسان كافة.

ومن الانتهاكات الحقوقية في قطر بحق مواطنيها أيضاً القرار الصادر من الحكومة في أكتوبر 2004 بسحب الجنسية عن أكثر من خمسة آلاف مواطن قطري ينتمي أغلبهم لفرع الغفران الذي ينتمي لقبيلة آل مرة، تحت زعم أن تلك القبيلة تنحدر من المملكة العربية السعودية وأنهم ما زالوا يحتفظون بالجنسية السعودية.

وقضى القرار بفصلهم من أعمالهم وحرمانهم من جميع امتيازات المواطنة مثل العلاج والتعليم والكهرباء والماء ومزاولة النشاط التجاري وتسليم مساكنهم، وتعديل أوضاعهم بعد سحب الجنسية القطرية منهم.

كل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان تسقط ورقة التوت عن قطر وخداعها، وتنفي أي ادعاءات حقوقية زائفة لها، وتؤكد صحة القرارات البحرينية السعودية الإماراتية المصرية التي جاءت حازمة في مواجهة الإصرار والتمادي القطري الغريب والمستهجن على مسلكها في رعاية ودعم الإرهاب، والتدخل في الشئون الداخلية لدول الخليج والدول العربية، ورعاية العنف والفوضى في المنطقة، والتحالف مع إيران المنبوذة دولياً والتي تضمر الشر لدول الخليج العربي ودأبت على زعزعة أمنه واستقراره، وأحدث تلك المحاولات ما كشفت عنه وزارة الداخلية البحرينية أمس الأول الخميس من زرع طهران خليتين إرهابيتين بالمملكة، شاركتا في أعمال قتل وتخريب بالبلاد، وتخزين أسلحة ومتفجرات خطيرة خدمة لأهداف إيران التخريبية في المنطقة.

إن الممارسات القطرية المشينة قادت الدوحة إلى عزلة إقليمية ودولية تتسع يوماً بعد يوم، ولن تجدي أساليبها بالهروب إلى الأمام نفعاً، كما لن تنقذها الأكاذيب التي دأبت على ترويجها، فقد أدرك العالم حقيقة الدور القطري الهدام، وحانت لحظة الحقيقة للمسؤولين في الدوحة لمراجعة سياساتهم وتعديل مسارها للخروج من المأزق الذي وضعوا بلادهم وأهلهم فيه، فلم يعد أمام قطر مجال للمراوغة، وعليها تنفيذ مطالب أشقائها لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وهذا هو طريق السلامة بديلاً عن طريق لن تجني منه شيئاً سوى مزيد من الخسائر.