«عزيزتي أستاذة فاطمة.. أبعث إليك برسالتي هذه لأشكو لك همي، وأعبر لك عن مشكلتي التي احترت في أن أجد لها حلاً وحيّرت من حولي، فمشكلتي شكلت قضية مجتمع وربما استحقت أن تكون قضية رأي عام، وإن كانت فردية إلاّ أنها تمس مجتمعي الداخلي، كما عبر عنه إحسان عبدالقدوس في روايته «عقلي وقلبي»، عندما أشار إلى قرار يتخذه عقله، وفي نفس الوقت يدفعه قلبه لرغبة مخالفة، وتطلبه معدته تناول طعام قد لا يتسق مع رغبة هذا أو ذاك، ثم يريد المكوث في مكان ما، فيرفض جسده ذلك لشدة البرودة أو الحرارة، معبراً بذلك كله أنه لوحده مجتمع مستقل قائم بذاته، يتناغم أفراده حيناً ويتصارعون في غاياتهم أحياناً كثيرة.

وقد أزجيت لحضرتك هذه المقدمة لتدركي حجم معاناتي فإني أبلغ من العمر 37 عاماً، لدي عائلة تحبني وأحبها، وإن لم أكن مثاليا في تصرفاتي وكانت أسرتي تتحملني مقدرة إنه «مالك إلا خشمك لو عوج» إلاَّ أنه وقبل قرابة الشهر، فوجئت بزيارة من رجل غريب أثبت فيها أنني لا أنتمي لعائلتي، ثم أخبرهم بلزوم مغادرتي إلى منزل عائلتي الحقيقية، «كيف؟ متى؟ لماذا؟ أين؟» كلها أسئلة لا أملك إجاباتها، فقط لزوم مغادرتي عائلتي، ووضعت بيني وبين عائلتي الحواجز حتى لم أعد أستطيع أن أحضن حتى إخواتي هناك، وأصبح لدي عائلة جديدة، يجب علي التفاعل معها على نحو لا يمكنني الاستجابة له بعد مضي هذا العمر الطويل من حياتي في غير تلك الأحضان.

عزيزتي أ. فاطمة.. لقد أبعدت من عائلتي «إبعاد البعير المعبد»، وأعلم أنك وكثيرون لا تملكون عصا تلقي عليّ بتعويذة سحرية تغير حالي فجأة، وليس لديكم آلة إعادة الزمن، لإعادتي حتى اللحظة الأخيرة قبل قدوم ذلك الغريب ليرسم قدري التائه على نحو غير محسوب، ولكني أكتب رسالتي هذه علّ دعوة بظهر الغيب تصلح الحال، وتكشف الضر، وتعيدني إلى أحضان عائلتي التي شعرت من دونها بضياع هويتي. ليتك تدركين حجم ما يجتاحني من صراع، ليتك تعلمين كم أن الهوية التي يتلاعب بها كثيرون وفرطوا بها غالية الثمن، وضرورية للبقاء الإنساني بكرامة وبعزة، فإني لم أعد أعلم منذ ذلك الحين، من أنا ولا إلى من أنتمي، ولا حتى ما غاية وجودي في هذا العالم الكبير».

* اختلاج النبض:

وصلتني هذه الرسالة من أحدهم، ولكنها لسبب لا أعرفه، ولم أجد له تفسيراً ولا رابطاً بعد ذكرتني بقصيدة «غرناطة» للشاعر الراحل نزار قباني، التي اختتمها بقوله «عانقت فيها عندما ودعتها.. رجلاً يسمى طارق بن زياد»، ربما لأنني تنفست عبقاً خليجياً في تلك الرسالة، حملني على أمواج الشوق إلى ذكرى تأسيس مجلس التعاون الخليجي.

أصلح الله الحال.