من كان يرى في جماعة «إخوان المسلمين» العرب عوناً لأوطاننا الخليجية، فإن أزمة قطر أسقطت تلك الورقة وكشفت الواقع الحقيقي لأجندة تلك الجماعة، لهذا السؤال للبحريني ممن يتعاطف مع تلك الجماعة، لم التعلق بها ولم البقاء في فلكها ولم تدفع أنت ثمن أخطائها؟

الإخوان المسلمون الخليجيون عامة والبحرينيون بخاصة جماعة ورعة مسالمة لم تقف يوماً موقفاً مضاداً للدولة، كانوا متصالحين معها واصطفوا معها في كل مراحل الصراعات الدائرة، لا يضرها أبداً أن تكون مواقف أعضائها ناقدة لأداء الحكومة ولا يضرها استقلالها عن القرار الحكومي، ذلك حراك سياسي مشروع ضمن الأطر الدستورية، إنما اليوم الوضع مختلف، لم تتركون لقيادات ليس منها خليجي أو بحريني أن تحدد علاقتك بدولتك؟ لم تترك لمجموعة من العرب لهم أجندتهم الخاصة مع دولهم تتعارض مع أمن وسلامة دولتك، لم تتركونها لتتحكم في مواقفكم؟ لم تدفعون ثمناً لبضاعة ليست لكم؟

لم تتلبسون السذاجة وإلى متى؟ عاديتم المصريين والفلسطينيين والليبيين والتونسيين وليس لكم ناقة أو بعير في دولهم؟ إنما أقحمتم أنفسكم بصراعات خارجية صرفة بسبب تبعية عمياء لقيادات تلك الجماعة.

اليوم ثبت لكم أن قيادات الجماعة لا تعترف بالدول القائمة، بل تعترف بالدول الحاضنة لهم، وهناك فرق كبير، فالدول الحاضنة تتغير إنما الدولة القائمة مكانها ثابت، هذا هو الواقع الذي لا بد أن يعرفه كل من كان يرى في تلك الجماعة حصناً للوطن أو كتيبة للدفاع عنه إن احتاجتها الدولة، فهل ستنقل ولاءاتك كل يوم مع تنقل تلك القيادات؟

قيادات الجماعة لها حسبتها الخاصة للدول التي تسالمها والدول التي تعاديها، وتلك الحسبة لا تتفق مع استحقاقات دولكم وأوطانكم الخليجية، فأفيقوا من غفوتكم.

قيادات الجماعة تدافع عن الدولة الحاضنة لها حتى وإن كانت تلك الدول تشكل خطراً على أوطانكم، هي تدافع عن مأواها، إنما أنتم تدافعون عن من؟

فإن احتضنتها تركيا أو مصر أو قطر أو أي مكان آخر ستنتقل فيه قيادات تلك الجماعة فالحماية والرعاية للدولة الحاضنة، هل هناك مصري أو ليبي أو تونسي من جماعة الإخوان يتمتع بالإيثار ويعلن إن كان وجوده سيحول بين عودة القطريين لأشقائهم فإنه سيرحل لأن الأولوية للعلاقات الأخوية؟

لا أحد من تلك القيادات يكترث باللحمة الخليجية ولا يكترث بتعكير صفوها ولا حتى يعبأ بتعكير العلاقة بينك وبين دولتك، فكل نشاطك ومكسبك ومقركم مسخر للقيادات.

أما الدولة التي تختلف مع تلك المرجعيات القيادية حتى لو كانت موطنهم الأصلي فإنها خصم وعدوة لهم، ولا بد من إسقاطها حتى تخضع تلك الدولة للقيادات في الجماعة الأم، فيعادي المصري مصر، ويعادي الليبي ليبيا ويعادي التونسي تونس، السؤال لم يعادي السعودي السعودية أو يعادي البحريني البحرين إن اصطدمت قيادات تلك الجماعة مع دولته ونظامها السياسي؟ لم يصطف مع مرجعياته لا مع دولته؟ فإن كانت تلك المرجعيات مصرية أو تونسية أو ليبية فإن لها مصالح في دولها إنما أنت ما هي مصالحك؟

أزمة قطر كشفت تلك الحقيقة بشكل فاقع لنا في الخليج، لأن الدول الخليجية -عدا الإمارات- لم تصطدم مع «إخوان المسلمين» من قبل بهذا الشكل المباشر ولم تطالبها بهذا الشكل الحاد بإعلان موقفها، لتكتشف المجتمعات الخليجية وتكتشف الدول الخليجية أن أزمة الجماعات الدينية -كل «الجماعات» سنية كانت تلك «الجماعة» أو شيعية- مع الدولة واحدة، فالدولة التي يدينون لها بالولاء هي حيثما حلت قياداتهم، وتنتهي العلاقة بتلك الدولة إن ارتحلت القيادة عنها، الشيعي الذي يدين بولاية الفقيه يحب إيران لأن إيران حاضنة لفقيههم فإن ارتحل فقيههم عن إيران أصبحت إيران عدوة.

«إخوان المسلمون» لا يختلفون أبداً عن جماعة الولي الفقيه، الدولة لا تعني لهم شيئاً، وفيما يتعلق بالتراتيبية بين الدولة وبين الجماعة بغض النظر عن الاختلافات البينية بين جماعة المرشد الأعلى والمرشد العام، إلا أن عقيدتهم هي لقياداتهم لا لدولتهم.

أعرف حجم الصدمة حتى عند المتعاطفين مع جماعة «إخوان المسلمين» أي الأعضاء غير المدرجين على قائمة الهيكل التنظيمي، بل من كان يرى في الجماعة كياناً مسالماً ينجح في العمل الخيري والإنساني يحمي الأطفال من خطر الشوارع وما يجري فيها، يهذب أخلاق الأطفال والشبيبة، صدمتهم الآن كبيرة في تواريهم وتخاذلهم وسكوتهم عما يمس أمن البحرين لأن المتسبب هذه المرة قيادات «إخوانية».

صدمتهم أكبر في مقاييسهم المزدوجة ومكيالهم المزدوج، إذ كيف يرون في تركيا دولة نموذجية «إسلامية» ناجحة بإمكانها أن تقود «الأمة الإسلامية» رغم علمانية هذه الدولة وعلاقتها بإسرائيل ورغم انتشار جميع الموبقات في مدنها وتسامحها مع المثليين وغيرهم من الشواذ، الصدمة هي كيف غفرت لتركيا كل تلك المتناقضات مع التعاليم الإسلامية فقط لأن قياداتها «إخوانية»؟ الجواب بسيط جداً فالإخوان يتبعون القيادة لا الدولة، فهل هذا هو حال البحرينيين من الإخوان؟