عاش إقليم هونغ كونغ الصيني تحت الاحتلال البريطاني من 1841 إلى 1997 باستثناء فترة احتلال ياباني أثناء الحرب العالمية الثانية من 1941 إلى 1945 ولم تكن له حقوق سيادية إذ ظلت مستعمرة بريطانية منذ أن استولت عليها بريطانيا أثناء حرب الأفيون بين الدولتين من 1839 إلى 1842. أما الحقوق العامة فكانت محدودة بحكم الخضوع للاستعمار البريطاني. ولكن الإقليم تمتع بنشاط تجاري ومالي في القرن العشرين أدى لازدهار اقتصادي سيطر عليه البريطانيون والأمريكيون واليابانيون في البداية بينما اقتصر شعب الإقليم من الصينيين على العمالة. ومع مضي السنين ظهرت طبقة من رجال الأعمال الصينيين في النصف الثاني من القرن العشرين وقد تمتعت هونغ كونغ بازدهار اقتصادي كميناء ومنطقة حرة جعلها نموذجاً للنمو والرفاهية، ولعبت دور البوابة للصين بعد وصول الشيوعيين للسلطة في بكين عام 1949، وما فرض عليها من حصار اقتصادي وسياسي غربي.

وظل الأمر كذلك حتى عادت هونغ كونغ لتصبح إقليماً صينياً بعد اتفاق بين بريطانيا والصين الشعبية في منتصف الثمانينات لتعود للصين الأم عام 1997 في ظل ما عرف بسياسة دولة واحدة ونظامين. وهذا المفهوم من إبداعات الزعيم دنغ سياو بنغ لطمأنة الشعب الصيني في هونغ كونغ بأنه سوف يستمر يعيش في ظل اقتصاد حر مزدهر وحكم ذاتي إداري. ولكنه من الناحية السياسية سيكون خاضعاً للسلطة المركزية في بكين من حيث السيادة وخاصة التشريع الدستوري والسياستين الأمنية والدفاعية والسياسة الخارجية وأن يظل هذا الاتفاق سارياً لمدة خمسين عاماً، أي حتى عام 2047. ويمكن القول إن هونغ كونغ تمتعت بحريات سياسية وإعلامية أفضل مما كانت عليه في السنوات الأخيرة تحت الحكم البريطاني، وكذلك تمتعت بأن تكون جزءاً من الصين الصاعدة والمتقدمة، وعندما واجهت أزمات اقتصادية خاصة بسبب الأزمة المالية العالمية عام 2008، حيث سارعت الصين الأم لمد يد العون لها لضمان استمرار الاستقرار والازدهار فيها كما تمتعت بحقوق سياسية في ظل انتخاب برلمان وحاكم عام للإقليم، ولم تتدخل الصين في شؤونها إلا في أضيق الحدود عند الضرورة لضمان استمرارها كجزء من الصين كدولة.

وبالطبع كأي عمل سياسي في منطقة كانت تحت الاحتلال الأجنبي تجد هناك من يؤيد الانضمام للدولة الأم ومن يؤيد الاستقلال تحت مقولة حق تقرير المصير، وهو ما يرفضه الفكر السياسي بوجه عام وتقاومه الدول القوية مثل سياسة بريطانيا تجاه استقلال أيرلندا أو اسكتلندا وإسبانيا تجاه الباسك رغم الفوارق بين البريطانيين أو الإسبان وبين الأقاليم التي تطالب بالاستقلال. والاستقلال بالنسبة لبعض مواطني هونغ كونغ يعني الانفصال. وهذا أمر مرفوض وفقاً للاتفاق مع بريطانيا ومرفوض اتصالاً بالتاريخ والمبادئ السياسية في الصين ذات التاريخ العريق إذ ترفض انفصال أي إقليم من أقاليمها. وهذا أمر منطقي تعمل في ظله القوانين الدولية إلا نادراً، وفي حالات محدودة ولكن الدول القوية مثل الولايات المتحدة والصين أو الهند لا يمكنها أن تتخلي عن سيادتها على جميع أراضيها وعن كون جميع أقاليمها ينتمون لدولة واحدة فهم يتكلمون نفس اللغة الأم وينتمون للصين تاريخياً وثقافياً وحضارياً عبر العصور.

وفي تقديري كباحث في نظم الحكم والتطور السياسي في الصين بوجه خاص فإنني أعتقد أنه من الأفضل لأي إقليم لدولة أن يظل جزءاً من دولة كبيرة بدلاً من أن يكون مستقلاً كدولة صغيرة تتقاذفها موجات السياسة الدولية والإقليمية. ولا ننسى أن هونغ كونغ خضعت للاحتلال الياباني من 1941 إلى 1945 وبعد هزيمة اليابان عادت بصفتها إقليماً صينياً تحت الاستعمار البريطاني السلطة السابقة، ووفقاً للشروط التي فرضت على اليابان المهزومة. وهونغ كونغ ومكاو أو حتى تايوان هي تاريخياً وحضارياً وثقافياً وديموغرافياً جزء لا يتجزأ من الصين الأم. ولو أخذنا بمنطق كل إقليم في دولة حقه أن ينفصل عنها ليكون دولة مستقلة فسوف نجد الولايات المتحدة تصبح خمسين دولة صغيرة ضعيفة وليست قوة عظمي. وهذا شأن الدول العربية التي قسمت باتفاقية سايكس بيكو عام 1916 بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية المحتلة للمنطقة لعدة قرون وبروز النزعة التركية في بلورة دولة للشعب التركي في عهد مصطفي كمال أتاتورك. وفي نفس الوقت برزت النزعة الاستقلالية في المنطقة العربية بتبلور مفهوم العروبة واختلافه عن مفهوم التتريك الاستعماري في ظل رجل أوروبا المريض. أما العالم العربي اليوم فهو يواجه تحدي التقسيم الجديد من أحداث أو مؤامرة ما تسمي بـ»الربيع العربي» لإضعاف المنطقة. أما الصين اليوم فهي رجل آسيا القوي بل رجل العالم القوي وليست مريضة كما كانت في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

* باحث في الشؤون الصينية والدولية