من الأمور الطريفة التي تابعتها خلال الفترة العصيبة التي يمر بها خليجنا العربي والتي تتطلب منا جميعاً الهدوء والحكمة والالتفاف حول قادتنا، تفاجأت ببعض الأشخاص الذين بدؤوا يلعبون دور المحللين السياسيين وبدؤوا ينشرون آراءهم حول ما يجري في الساحة الخليجية والعربية، والأغرب من هذا الشيء أن بعض القنوات باتت تستعين بهؤلاء تحت مسمى «محلل سياسي»، في خلط واضح بين الرأي الشخصي والتحليل السياسي. الطريف في الموضوع أن بعض هؤلاء «المحللين الورق»، لا يفقهون شيئاً في التاريخ والأحداث التي مرت على المنطقة، وليست لديهم القدرة على الربط بين ما يجري حالياً وبين ما جرى عبر التاريخ، وليست لديهم أية دراية عن استشفاف المستقبل. بل تجاوز الأمر ذلك بأن أصبحنا نرى بعض من يطلقون على أنفسهم «محللون سياسيون» يسبون ويشتمون ويستخدمون ألفاظاً خارجة عن الذوق العام ظناً منهم أن التصعيد سيخلق منهم «محلل سياسي فلتة»، لاسيما أن بعض مكونات الشعب الخليجي يحب هذا النوع من الشخصيات وينعتونها «بالصراحة والشجاعة»، إلى أن يصدق الأخير نفسه ويتجول من قناة إلى أخرى ليكرر ذات الكلام بنبرة صوت أعلى مصدقاً أنه أصبح «محللاً سياسياً»، ليس هذا فحسب، بل أنه يقوم بتسجيل نفسه وأفكاره ومعتقدات يظن أنها ترقى لمستوى «التحليل السياسي» وينشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي!! الغريب في أمر هذا النوع من «المحللين الجدد» أنك إذا تعمقت في فكرهم «قليلاً» في أي موضوع ستنكشف سطحيتهم، حيث إنهم كـ «الببغاوات» يكررون كلامهم نفسه ويعيدونه ويزيدونه. نرى وزراء الخارجية ونرى تصريحاتهم التي تمتاز «بالتوازن»، و»الحكمة، و»الدبلوماسية»، على الرغم من أنهم أكثر الأشخاص اطلاعاً حول الوضع الراهن وقريبون جداً من مصادر اتخاذ القرار. كما نرى بعض المحللين السياسيين المحنكين من أصحاب الخبرة الذين يمتعوننا بتحليلاتهم السياسية «المسؤولة» واختيار كلماتهم التي تنم عن عمق وخبرة في التحليل. وعلى النقيض نستغرب من بعض القنوات الرسمية المرموقة التي تستعين بمحللين سياسيين من ورق، محللين جدد مازالوا يجهلون الفرق بين الآراء الشخصية «وسوالف الديوانية»، وبين التحليل السياسي، المبني على أسس علمية، وعلى خبرة ودراية، والأهم من ذلك أنه مبني على مسؤولية مجتمعية ووطنية. علينا أن نعي بأننا نمر بأزمة، وعلينا أن نعي أيضاً أن الكلمة «مسؤولية» فلنختار ألفاظنا ولا أقصد من كلامي هنا ألا يكون لنا موقف واضح، بل بالعكس، يجب أن يكون لنا موقف واضح ومعلن، وفي ذات الوقت يجب أن يكون لدينا «حس المسؤولية» فلنتبع خطى قادتنا حفظهم الله، ولنترفع ولنسمو بأخلاقنا التي تربينا عليها، ولنترك التحليل السياسي للمختصين به، لكي لا نساهم في خلق «محللين من ورق» يعتبرون السب والقذف والتهجم وإبداء الآراء الشخصية ضرب من ضروب التحليل السياسي!