مكسب أي بادرة طيبة يأتي في قيمتها المعنوية وفكرتها النوعية المتفردة والمواقف التي توصل أهدافها وتوضح أسبابها ورسائلها الخفية، كما أن أي بادرة تشجع الآخرين على مجاراتها واقتباسها وتكرارها، لذا فالمبادر بالتالي يكون قدوة محفزة للآخرين دائماً وملهماً لهم.

الحفل الترفيهي الذي أقيم بمناسبة عيد الفطر لعوائل وأبناء شهداء الواجب بوزارة الداخلية وقوة دفاع البحرين تحت رعاية ممثل جلالة الملك للأعمال الخيرية وشؤون الشباب سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، كان خطوة ممتازة وموفقة جداً، خاصة أن العنوان العريض للاحتفال كان «كلنا أهل لأسر شهداء البحرين ورعايتهم واجب علينا»، فيما الرسالة الخفية لهم أمام مشاهد مشاركة أبناء وأحفاد الملك لعوائل وأبناء الشهداء اللعب «كل البحرين من كبيرها إلى صغيرها معكم وقريبة منكم».

الاحتفال تضمن عدداً من البرامج والأنشطة الترفيهية وقد شاهدنا كيف شارك أنجال سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة وسمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة أبناء الشهداء في الاحتفال واللعب معهم ومشاركتهم أجواء المرح والفرح في مشاهد جميلة تعزز التلاحم المجتمعي والتكافل وتعكس أن أبناء الشهداء قريبون منهم وأنهم وهم واحد وأنهم لم ينسوهم في مثل هذه المناسبات خاصة الأعياد التي غالباً ما تكون أجواؤها عائلية ويستشعر اليتيم فيها مساحة الفقد لأبويه.. الأجمل أننا لم نرَ مثلما يحدث عادة لدى بعض المؤسسات والجمعيات الاجتماعية احتفالاً يقام تحت رعاية أحد المسؤولين فيما الحضور يكون من الفئة المستفيدة فقط وبعض مسؤولي المؤسسة المنظمة، بل إن راعي الحفل رأس الهرم مع أبنائه هم من استقبلوهم ورحبوا بهم، وذلك يعكس مساحة التقدير والاحترام لأبناء من ضحوا ورحلوا لأجل البحرين.

ذكرنا في مقالات سابقة، جاءت تزامناً مع يوم اليتيم العالمي، أن كثيراً من الاحتفالات التي تقام للاحتفاء بالأيتام لا تراعي البعد النفسي لليتيم بل ترسخ فكرة إحضار اليتيم أمام الناس وتذكيره بأنه يتيم بل القول له أمام الجميع إنهم يكرمونه وتقدم له الهدايا ويلتقطون معه الصور لأنه يتيم! فنرى اليتيم يصعد مسرحاً لتكريمه وتقدم الهدايا له ويقف أمام عدسات الكاميرات وأمام المسؤولين الذين يلقون كلمات عن الإحسان إلى اليتيم ومعاناة الأيتام، مما يزيد جرعات الحزن الدائم بداخله وتلامس كلماتهم وتعاملهم معه جروحه أكثر وتجعله يستشعر أنه مختلف عن بقية الأطفال ومن حوله وأنه أقل منهم! بل لو أن أحد الأطفال سئل ببراءة لماذا كنت تقف على المسرح مع بقية الأطفال؟ فإن الجواب يكون «نادوني لأنني يتيم!».

كثير من المهتمين بدعم الأيتام يخفى عن بالهم الدعم النفسي والاجتماعي والمعنوي لهم ولا يولونهم نفس الاهتمام مثل الدعم المادي، اليتيم ليس بحاجة إلى من يذكره أنه يتيم ويقول له ذلك خلال الاحتفالات، فهو يتذكر ذلك باستمرار وبديهياً في كل مناسبة تمر عليه، وهو يرى الأطفال من حوله فرحين مع آبائهم وأمهاتهم وهو وحيد من دونهم بل يحتاج لمن يأخذ بيده ويقدم له الدعم المعنوي غير المباشر من خلال أن يتشارك معه ومع عائلته وأصدقائه فرحة العيد وأجواء الأفراح الأخرى من دون أن يجعله يشعر أن ذلك جاء لبيان أنه يتيم أو يستمع إلى كلمات تلقى في احتفالات أنهم يشاركونه لأنه بلا أب وأم!

أخذ الأيتام من أياديهم، خاصة الأطفال، ومشاركتهم اللعب والفرح والاحتفال معهم في أجواء أسرية، وإيصال رسالة لهم مفادها أننا نتذكركم في مناسبات الأعياد والأفراح ونعتبركم مثل إخواننا ونحب أن يكون عيدنا معكم، يمثل دعماً معنوياً غير مباشر لهم يحقق لهم في تلك اللحظات شعور أن هناك من يحلون محل من رحلوا، وأنهم يدعمونهم، وإن كان هناك من كان يشاركهم أفراح العيد ويلعب معهم واختاره الله بقضائه وقدره فالله سخر لكم آخرين يشاركونكم حياتكم وأعيادكم.