مضى على اختيار الدوحة إيران حليفاً، وتخليها عن شقيقاتها من دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من شهر. مماحكات وجدل واسع شهده هذا الشهر، لكن الأهم فيه أن خيارات قطر كانت واضحة غلّبت فيها مصلحتها الذاتية على أي مصلحة عامة أو قومية أو أخرى لها علاقة بالانتماء والهُوية.

خيار قطر بالتحالف مع طهران هو خيار استراتيجي اختارته الحكومة القطرية، وهي تدرك جيداً مخاطر هذا الخيار وتداعياته المستقبلية تماماً. ولنا دروس وعبر من إحدى الدول العربية التي استعانت في مرحلة تاريخية معينة بالدعم الإيراني من أجل تثبيت أوضاع سياسية معينة وإخماد ثورة داخلية اشتعلت فيها، فصارت هذه الدولة حليفاً استراتيجياً لإيران طوال نصف قرن، رغم تبدل الأنظمة وتعاقبها، وصارت هذه الدولة العربية إما محايدة أو داعمة للسياسة الإيرانية، ومن النادر ما ظهرت بخلاف ذلك.

تلك التجربة المهمة التي نستذكرها الآن، نستذكرها جيداً لأن الدوحة اتخذت على ما يبدو قراراً بأن تكون مثل الدولة العربية الحليفة لطهران، وهو ما يعطينا صورة واضحة لمرحلة ما بعد معالجة الأزمة مع قطر، خاصة إذا تمت المعالجة دون المساس بالدولة العميقة داخل النظام القطري.

قطر مؤهلة للغاية لأن تكون إقليماً عربي الأرض، إيراني النفوذ، وأول موطن لأيديولوجيا ولاية الفقيه على الضفة الغربية لمياه الخليج العربي. ما يعني أنها ستكون بوابة طهران على دول مجلس التعاون لأنها ملاصقة بالجوار الجغرافي لدول المنظومة الخليجية. وهذا التطور في العلاقات الدولية في المنطقة، هو بديل تاريخي مميز لإيران التي فشلت محاولاتها بتأسيس كيان لها أو بسط نفوذها في البحرين.

بالتالي فإن استمرار المقاطعة العربية والإسلامية لها لفترة أطول، يعني بالضرورة زيادة التحديات الأمنية والسياسية لهذه الدول، حيث سيكون الاختراق الإيراني للدوحة أكثر وضوحاً، ولن يكون نموذجاً على غرار النفوذ الإيراني للعراق أو سوريا، فالقرار القطري سيُصبح مختطفاً أكثر، ولن تجدي محاولات الحكومة القطرية تبرير سياساتها أو تحالفاتها مع طهران، خاصة إذا لم تعرف الأولى أسلوب الثانية في السيطرة التي تبدأ من «العلاقات الرسمية»، ثم تنتقل إلى التغلغل في مؤسسات الدولة الرسمية، ومؤسسات المجتمع المدني، إضافة إلى دخول واسع عبر بوابة القطاع الخاص.

توجد قناعة تامة لدى الحكومة القطرية بأهمية التحالف مع طهران، وهناك سلسلة من التصريحات الطويلة منذ بداية الأزمة الحالية صدرت عن وزير الخارجية القطري الذي تتمحور تقديراته الاستراتيجية في التمسك بطهران، ولن يدرك خطورة ذلك إلا عندما يرى الإعلام الإيراني يسمي بلاده بـ»جمهورية قطر الإيرانية»، أو يعتبرها المحافظة الثانية والثلاثين.

المسار الطبيعي لتحول الدوحة إلى مركز للنفوذ الإيراني في الساحل الغربي للخليج العربي أن تزداد مواقف الدول الداعية لمكافحة الإرهاب تصلباً، لأن المسألة تحولت إلى تهديد للأمن الوطني أكثر من أي وقت مضى، فنحن لا نتحدث عن تدخلات قطرية في الشؤون الداخلية، أو تورط الدوحة في دعم الجماعات الإرهابية، بل نتحدث عن تحالف قطري - إيراني يهدد الأمن الإقليمي الخليجي والأمن القومي العربي.