عندما أطلق تنظيم الدولة «داعش» شعار «باقية وتتمدد» بعد احتلاله الموصل وإعلانه الخلافة، قلت في وقتها إنه شعار زائف، والحقيقة أنها «باغية ستتبدد» وها هي اليوم خرجت من الموصل بعد أن اشتركت مع طارديها في تدمير المدينة وسحق أهلها، ووجودها في باقي مناطق العراق لن يكون طويلاً، لكن تبقى ثمة أسئلة مهمة أبرزها، بعد كل هذا الخراب والدمار هل سنجد أنفسنا أمام تنظيم أو نسخة جديدة من «داعش» تكون أشد فتكاً منها؟ لا سيما أن «داعش» كانت النسخة الأشد فتكاً من تنظيم «دولة العراق الإسلامية» الذي كان هو الآخر نسخة أشد فتكاً من تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» الذي كان أشد فتكاً من النسخة الأولى «تنظيم التوحيد والجهاد»، وعلى عاتق من تقع مسؤولية الحيلولة دون ذلك؟

تنظيم «داعش» وجد طريقه إلى الموصل وقبلها الأنبار من خلال مجموعة سياسات طائفية انتهجتها الحكومات الشيعية المتعاقبة على حكم العراق بعد احتلاله، بل إن ولادة التنظيم كانت على مسرح تلك السياسات التي مارستها هذه الحكومات ضد أبناء المدن التي ظهر فيها التنظيم، وبعد كل ما حصل فمن المنطقي أن تستخلص الحكومة التي يقودها الشيعة الدروس من سيطرة التنظيم على المدن العراقية المنكوبة، إن كانت لا ترغب بعودة التنظيم أو نسخة جديدة منه، وعلى السيد حيدر العبادي الآن أن يقنع أبناء هذه المدن وكلهم من العرب السنة أن لهم مكاناً في بلدهم، وأن الدولة تحتضنهم ولن تعود لتهميشهم وإقصائهم وظلمهم، بالأفعال لا بالأقوال، فالدمار الحاصل في المدن وعودة النازحين إليها يمكن أن تشترك فيه دول العالم وتساعد الحكومة العراقية، لكن إيجاد مناخ يحصن من عودة «داعش» وأشباهها مسؤوليته تقع على عاتق حكومة بغداد وحدها ومرهون بها، والسيد العبادي وإن تحدث بذلك فالواقع يؤكد بأن ما يقوله مجرد كلام لا واقع له حتى اللحظة، وأن الطرف المسيطر الآن وهو الطرف الحكومي والميليشيات الملتحقة به يتصرفون على أساس أنهم فريق منتصر يعمل على تصفية حسابات تاريخية وطائفية، لا على أساس وضع هذه السيطرة في مشروع دولة تتسع للجميع.

في الوقت نفسه يريدون الظهور أمام العالم بمظهر الدولة التي يشترك فيها الجميع، فتوجهوا الآن نحو إيجاد شركاء مختارين غير حقيقيين ولاؤهم لإيران بعد تصفية الساحة من المتواجدين عليها، وهذا الأمر لا يقتصر على العرب السنة وإنما يطال الشيعة أيضاً، وليحلوا المشكلة حلاً مناطقياً تنطلق الآن حملة تأسيس الأحزاب في المحافظات بالاعتماد على بعض الشخصيات العشائرية ممن شكلوا ميليشيات عشائرية تتقدم في أماكن سيطرة «داعش» وترتبط هذه الشخصيات بوكيل وزير الداخلية لشؤون العشائر، وهذا ما يجعل نفوذ وسيطرة إيران أسهل في هذه المناطق من خلال هؤلاء فهي تتعامل مع شخص واحد وتملي عليه ليملي هو على من معه، هذا بالإضافة إلى استمرار وجود الأحزاب التي تدعي تمثيل العرب السنة واشتركت في العملية السياسية في وقت مبكر أو بعضها جاء مع الاحتلال متحالفاً مع إيران من البداية.

لأجل كل ذلك ولأن النظام الحاكم في العراق لن يقبل بشركاء حقيقيين لن تتسع الدولة للجميع، وسنجد أنفسنا في لحظة ما أمام تنظيم يجعلنا نترحم على تنظيم «داعش»، فبقاء المناخ الملائم كفيل بذلك!