المسكن تقليدياً هو التعبير عن الطبقة، والمنزل هو المنزلة، والمكان هو المكانة، وأن تكون خليجياً في مصطلحات الخمسين سنة الماضية تعني أن تكون بخير، والأمور طيبة، ومثار إعجاب الجميع. صحيح أننا تعرضنا لحرب الخليج مرتين، لكنها لم تكن للمراقب الخليجي الوحدوي، بنفس طعم المرارة الحالية، لكون ما يجري خير تفسير للمثل العربي، «إن رفعتها للشارب وإن نزلتها فللحية».

لقد فتحت هذه الأزمة التي لا اسم لها الباب أمام القوى الدولية لتؤدي دورها، مرة بالانخراط في دعم المبادرة الكويتية، ومرة بالتقرب الحذر المغلف بتعاطف مبهم مرده أن الدول الخليجية على طرفي القضية، فيهم أكبر دولة مصدرة للنفط، وفيهم أكبر دولة مصدّرة للغاز الطبيعي المسال، وهم أكبر مستورد للسلاح، وهم ملاك أكبر الصناديق السيادية في العالم. وهو ما يختصر معنى القيمة الاستراتيجية في العلاقات الدولية. لذا لم يكن العالم يملك رفاهية تجاهلنا كما تجاهل المجاعة والحرب والكوارث الطبيعية في مكان آخر. لقد كان لا بد أن يكون هناك موقف دولي. ورغم أن كافة الأطراف في الأزمة دول حليفة لواشنطن إلا أن العواصم الخليجية استمرت بمتابعة أجنداتها دون مراعاة لأولويات أمريكا، وفي ذلك انعتاق إيجابي بشكل ما، ربما لإيمانهم بقول تشرشل: إن الأمريكان لن يستخدموا الطرق الصحيحة لحل المشاكل إلا بعد أن يستنفدوا جميع الطرق الخاطئة. فاللاسياسة منذ عقدين لدى واشنطن هي خطة بحد ذاتها، وغياب تصور واضح للحلول مقصود لذاته. فأعلنت سعيها لحوار مباشر بين أطراف الأزمة رغم ظهور تأرجحها في حين تدعي قدرتها على ضبط إيقاع الأزمة الخليجية! أما الكتلة الأوروبية فقد أرسلت رسائل تتمحور مضامينها حول عميق القلق والدعوة لسرعة احتواء الأزمة، مع دعمهما الكامل للوساطة الكويتية لاستعادة وحدة مجلس التعاون الخليجي. وإن لم تخفِ قلقها من تداعيات تؤثر على الاستثمارات في أوروبا. أما روسيا فمازالت على الهامش، لكنها مستعدة للاستفادة من الأزمة التي قد تخدم مصالحها كما خدمت الأزمة اليمنية مكانتها بالأوبك بتحقيق استقرار سوق النفط.

ولا يعتقد المراقب الخليجي بتجاوز الأزمة ووصول الأطراف لما يرضيها فحسب، بل عن يقين نرى أنها سوف تؤسس وعي الخليج بنفسه وبمواقف العالم حوله. إن عزاءنا الوحيد ليس بسبب الانقلاب الذي قد تحدثه الأزمة الخليجية في المشهد الاستراتيجي، وليس بسبب الإرباكات السياسية التي خلفتها، بل لأن العالم نفسه ظهر مرتبكاً حيال أزمتنا.

* بالعجمي الفصيح:

تشكل مجلس التعاون بفعل خطر خارجي، وسيقوده الخطر الداخلي الراهن لحركة نقدية تفكيكية هائلة لهيكل المجلس تفضي إلى ترقيته كمنظمة إقليمية ناجحة.