عندما وضعت الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب «البحرين - السعودية - الإمارات - مصر» قائمة شروطها ومطالبها لأجل حل الموضوع دبلوماسياً مع قطر، كان ذلك يعني أنها لم تأخذ قراراً حازماً يقطع كل روابطها مع قطر، إنما تركت الباب موارباً لقطر ولجأت إلى خيار المقاطعة، لمنحها سعة من الوقت لأجل مراجعة نفسها وسياساتها العدائية على أمل أن يكون هناك خط رجعة.

كان واضحاً أن قرار قطع العلاقات جاء لاحتواء قطر وجعلها تستفيق من الطريق المدمر الذي اختارته لنفسها دون أن تعي تبعاته وأنه سيرجع عليها قبل أن يرجع عليهم معها! كما من الواضح أيضاً أن الدول المقاطعة لا تود إيجاد سيناريو حصار كما حدث في بعض الدول التي فرض عليها الحصار كالعراق وإيران وسوريا وكان الشعب ضحية ويلات الحصار ونتائجه المدمرة.

حتى الرد الذي اعتبره البعض ليس قوياً، عقب اجتماع وزراء خارجية الدول المقاطعة للنظام القطري في القاهرة جاء بمرونة وليونة لأجل منح قطر المزيد من الوقت وفسحة التفكير ومراجعة سياساتها قبل اتخاذ قرارات ستعتبر مصيرية لا خط رجعه فيها مع تأكيدنا أن الأسباب التي أوصلتنا لمرحلة المقاطعة مع النظام القطري لا رجعة فيها وهي إجراءات صارمة ووقائية ضد الأعمال الإرهابية التي تمولها قطر في منطقة الشرق الأوسط إلا أن الأمل لايزال حاضراً في أن تعود قطر إلى عمقها الخليجي العربي وتترك تعاقدها مع محاور الشر وشياطين الإرهاب.

بكلمات أخرى، الدول الداعية لمكافحة الإرهاب لم تقفز إلى النهاية بحيث لا تمنح قطر خيارات أو فرص ثمينة بحيث تلجأ إلى محاصرة قطر فعلاً ومحاولة هدمها اقتصادياً ومن ثم هز أركان نظامها لحين التدخل العسكري أو توجيه ضربات عسكرية لها، توجيه ضربة عسكرية للنظام القطري بعيد كل البعد عن الخيارات التالية لما بعد المقاطعة وغائب عن قائمة الحلول البديلة في حال استمرار قطر في تعنتها السياسي.

الدول الداعية لمكافحة الإرهاب كانت تأمل من الطرف الآخر -ألا وهو قطر- أن تضع بالاعتبار الحل يأتي فعلاً دبلوماسياً لا عسكرياً وأن ما يجمعهم أكبر بكثير مما يفرقهم، ولم يكن هذا يأتي من باب ضعف موقف من جانبهم أو لأنهم غير قادرين على تحمل تبعات ما سيحدث، فهم ليسوا في موقع الخسارة أصلاً في كلتا الحالتين، إنما كان نصب اهتمامهم يقع على مراعاة الشعب القطري الشقيق وأن قطر منهم وفيهم ولا يرضون عليها ما لا يرضونه على أنفسهم وشعوبهم.

غير أن قطر اختارت الانزواء والانسلاخ عن عمقها الخليجي والعربي ورمي نفسها في أحضان أعداء العرب والمسلمين، بل إن اختيارها للتحالف العسكري مع تركيا وإيران يعني أمراً واحداً لا تفسير ثانياً له، وهو أن قطر ترى مشروعها الذي صرفت عليه مئات المليارات أنها لن تحيد عنه، ولن تتراجع حتى لو كشف إعلامياً وأوضحت خفاياه وخباياه، هي تعتقد أن مصالحها مع إيران وتركيا أهم بكثير من تواجدها في البيت الخليجي ومنظومة دول مجلس التعاون، وغاب عنها أن المصالح تنتهي والسياسات تتبدل وفقاً لمستجدات الصراعات القائمة بين القوى العظمى في الساحة الدولية، في حين الأخوة والروابط الأسرية والتاريخية محال أن تنتهي يوماً أو تباع وتشتري بمصالح لحظية ومؤقتة.

الجولات الخارجية التي قام بها وزير خارجية قطر، وحملت الكثير من التخبط الدبلوماسي والإعلامي والمواقف القطرية المتناقضة، ترمي إلى أن قطر قد تكون تعي أن الحل قريب جداً منها وهو على طاولة الرياض، إلا أنها لا تود اللجوء إلى بيت المفاوضات الخليجية بل هي راغبة في تدويل القضية، وكأنها تترك الباب مفتوحاً لتشجيع كل من يعادي دول الخليج العربي ويود استغلال هذا الموقف لخدمة مصالحه سواء عن طريق التحالف عسكرياً معها أو التعاون معها في المجالات الاقتصادية والإعلامية وغيرها، كما فعلت مؤخراً عندما أبدت استعدادها لفتح كل ملفاتها للاستخبارات الألمانية!

اللعبة الخطرة التي تلعبها قطر تعكس مدى الصراع الكبير الذي يعيشه صناع القرار داخل البيت القطري لأجل إيجاد مكانة قيادية لن يتنازلوا عنها مهما كلف الأمر، قطر تعتقد أنها تستطيع أن تتجاوز محيطها الخليجي والعربي لتكون لوحدها قوة إقليمية ودولية ذات ثقل سياسي ووزن اقتصادي، وهذا بالأصل لا يأتي بعصا ساحر ودفعة واحدة، إنما يأتي عندما تكون هي جزء من القوة الخليجية الإقليمية، فالانفصال يعني التجزئة والدولة التي تكون مجتزئة عن امتدادها الإقليمي محال أن تظفر حتى بمقومات القوة ولن تستطيع صعود سلم التاريخ والمجد إلا من خلال وجود حماية وسند وظهر خليجي وعربي لها مصالح قوته من قوتها والعكس.

الحل التمهيدي لهذه الأزمة هو أن تترك قطر غرورها السياسي وتعنتها، فقد انتهى وقت التخالف واليوم وقت التحالف، ومن يشذ عن هذا الاتجاه نهايته التحليق في فضاء العزلة لوحده والانتهاء من خارطة الوجود والموت سريرياً!