انا من المعجبين بسمو الشيخ محمد بن مبارك، منذ أن كنت دبلوماسياً شاباً، أعمل بمكتب الدكتور عصمت عبدالمجيد، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق، وكنت مختصاً بالشؤون العربية والآسيوية، وأحضر معه مختلف المقابلات، وفقاً للتقليد الدبلوماسي المصري، وشاء الله أن يكون حظي أن أحضر مقابلات عدة للدكتور عصمت مع عدد من الوزراء العرب، وكان في مقدمتهم لقاءات مع سمو الشيخ محمد بن مبارك عندما كان يشغل منصب وزير خارجية البحرين. وكشاب دبلوماسي يحضر لقاءات على هذا المستوى بين قامتين من قامات الدبلوماسية المصرية والبحرينية، تعلمت الكثير، منها التحدث بهدوء وبدون انفعال وتحليل الموضوع من شتى جوانبه واستخلاص العبر والنتائج والدلالات من أي حدث. كما تعلمت أيضاً من سفراء متميزين أصبحوا وزراء خارجية منهم عمرو موسى ونبيل العربي، وعملت معهما كسفراء في الهند وكنت مستشاراً وكذلك في نيويورك وكنت نائباً لرئيس الوفد الدائم لدى الأمم المتحدة، وكان ذلك من حسن حظي أن خدمت مع سفراء من القامات المصرية، ومنهم أول سفير عملت معه في الإدارة القانونية، وهو الدكتور عبدالله العريان الذي أصبح قاضياً في محكمة العدل الدولية، والشافعي عبدالحميد، وخليفة عبدالعزيز، وفي خارج مصر، السفراء عثمان نوري أول سفير عملت معه في الأردن، في أول مهمة خارج مصر، وسعد مرتضى في الإمارات، عندما ذهبنا لفتح السفارة إثر استقلالها، وعز العرب أمين في الكويت، وجمال نجيب في النرويج، وهو التلميذ النجيب للوزير محمود فوزي أول وزير للخارجية في عهد ثورة يوليو 1952، وكان يطلب مني الذهاب يومياً لوزارة الخارجية للتحدث في أي موضوع وبلا خوف، فإذا أخطأت فسوف يصححه، ومع ثلاثة سفراء في الهند، هشام عامر، ونبيل العربي، وعمرو موسى، و3 مندوبين دائمين في نيويورك، هم عبدالحليم بدوي، وعمرو موسي، ونبيل العربي، عندما أصبحت مندوباً دائماً لمصر في جامعة الدول العربية، كان الأمين العام عصمت عبدالمجيد، الذي حظيت بتوجيهاته بصفة شخصية واستفدت من الجميع استفادة كبيرة، منها الشجاعة في إبداء الرأي، طالما في إطار العمل والاحترام للرؤساء، وأسلوب التحليل الدبلوماسي ومناهجه العلمية العملية، ومنها الكرم وكان بعض هؤلاء السفراء يرددون مقولة أحد كتاب الدبلوماسية في القرن التاسع عشر، أن السفير يجب أن يكون غنياً أو يتزوج غنية، لأن المهمة تقتضي الكرم وحسن الضيافة، والسفير البخيل لا يصلح للعمل، والذي همه المكوث في المنزل لا يصلح دبلوماسياً، فلا بد أن يتميز بالدينامية لكي يعرف مجتمعه والمجتمع الذي يعيش فيه. وهكذا تربيت علي أيدي أولئك. وأيضاً تعلمت بطريقة غير مباشرة من اللقاءات التي كنت أحضرها مع الوزراء العرب بحكم المهمة التي أسندت. وفي مقدمة هؤلاء الوزراء العرب سمو الشيخ محمد بن مبارك، والوزير صباح من الكويت، والوزير سعود الفيصل رحمه الله، وغيرهم.

لماذا أقول ذلك، لأنني عندما قابلت سمو الشيخ محمد بن مبارك لأقدم له هدية، أحدث مؤلفاتي، استمتعت بحديثه الهادئ المملوء حكمة وعلماً وتجربة، واستفدت مجدداً من خبراته، وما لم أعرفه، فحدثني عن مصر ودورها ومساندتها دائماً للبحرين وعن لقاءات سموه بالرؤساء، جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك، وذكر بعض مواقف قالوها له، وتدل على عمق الرؤية وبعد النظر، وعندما سمعت من سموه ذلك تذكرت أول ندوة حضرتها عندما تشرفت بالانضمام لأسرة وزارة الخارجية بتعليمات من الشيخ خالد، وكان هو المتحدث في الندوة، عن العلاقات البحرينية البريطانية، بدعوة من جمعية تاريخ وآثار البحرين، وقام عريف الحفل بتقديم الشيخ خالد، وقال «إننا نسعد اليوم بوجود قامتين من قامات الدبلوماسية لمملكة البحرين، هما سمو الشيخ محمد بن مبارك ومعالي الشيخ خالد». ثم دعا الشيخ خالد للتحدث فكانت أول كلمة قالها أنه يصحح ما قيل، فالموجود هنا هو قامة دبلوماسية واحدة هو سمو الشيخ محمد بن مبارك وكلنا تعلمنا منه. وهنا أدركت أمرين، احترام الوزير اللاحق لأستاذه، وثانيهما، تواضع الوزير فالتواضع سمة العلماء.

لماذا أقول ذلك، لكي أنقل ما تعلمت لإخواني من الدبلوماسيين الجدد في البحرين ومصر، لأن التغيرات في الحياة الدبلوماسية تجعل من الضروري نقل الخبرات، وأتذكر أن المعهد الدبلوماسي المصري إثر إنشائه عام 1966 كان يحرص على دعوة السفراء المخضرمين ليقدموا لنا خبراتهم والتحديات التي واجهوها وكيف تغلبوا عليها، هذا بالإضافة إلى الدراسة النظرية، فالعمل هو حصيلة التجربة المباشرة وتطبيق للعلم.

ومن هنا أحيي أستاذتي من الدبلوماسيين المصريين، وأستاذتي من الدبلوماسية البحرينية، وفي مقدمتهم سمو الشيخ محمد بن مبارك، والشيخ خالد، وزملائي أمثال كريم الشكر وحمد العامر وعبدالله الشعلان وغيرهم، فتحية لهم جميعاً وتمنياتي لهم بكل صحة وسعادة.