تقوم فلسفة حجر النرد على قانون الاحتمالات والحياد، لما يقدمه من نتائج عشوائية محتملة، غير أن بعضهم فهم قواعد اللعبة جيداً، وجعل من قضايا بعينها حجر النرد ذي الست ضربات المضمونة، وليس أقرب من ذلك مثالاً سوى «القضية الفلسطينية» في سياسة كل من إيران والإخوان المسلمين، فالقضية الفلسطينية في عيون هؤلاء كانت أنجع أداة لتحقيق الأهداف وأكثرها حيوية، لما تتمتع به من أبعاد إنسانية وسياسية وأمنية فضلاً عن العامل الديني القابل للاستغلال على نحو يعمي الأبصار. وقد تسبب هذا كله مؤخراً في جعل القضية الفلسطينية أكثر صعوداً إلى الواجهة من قبل إعلام الاخوان والمؤسسات الإعلامية الأخرى الداعمة لهم، بطريقة دعائية فجة، تجعلنا نتساءل لماذا لا تظهر القضية الفلسطينية في ظروف الاستقرار السياسي؟ ولعلنا نقدم في نقاط ومضات تشير لأهمية القضية الفلسطينية في ضرب 6 عصافير بحجر نرد واحدة.

1- اخترعت إيران «يوم القدس» كحدث سياسي ليس من أجل تحرير فلسطين وإنما لإثارة الشعوب ضد حكامها من خلال المظاهرات والاحتجاجات تحت ذريعة العداء لإسرائيل، ليمتد لتخوين الحكومات واتهامهم بالتقاعس تجاه القضية. وكذلك عمد الإخوان المسلمون وخصوصاً في الخليج العربي إلى إثارة القضية الفلسطينية كلما أرادوا الاحتجاج على حكوماتهم، فلكي لا يتهم الإخوان باحتجاجهم على الشؤون المحلية وتمردهم عليها لطالما استخدموا الورقة الفلسطينية لإظهار أن الحكومات الخليجية متقاعسة.

2- اخترعت إيران «حزب الله» لتحقيق أهدافها وأطماعها في العواصم العربية بذريعة تحرير القدس، وجاء في خط موازٍ بعد سنوات الحوثيين الذين يحملون شعار «الموت لإسرائيل». وبينما عملت إيران على نشر التشيع في فلسطين راعت حركة «حماس» مصالحها في ود خفي مع إيران ليتكشف تقصيرها غير المبرر في مواجهة المد الشيعي على أراضيها.

3- بينما تمد إيران حبال الوصل وتبادل إسرائيل الود، تنادي جهاراً بـ»الموت لإسرائيل»، وتدعو لمقاطعتها، وكذلك هم «الإخوان المسلمون» في الخليج، لطالما هاجموا حكوماتهم واتهموها بنوايا التطبيع مع الإسرائيليين، كعادتهم يقاضون نوايا لا يعلمها إلاَّ الله، بينما لم تبدِ الدول الخليجية ثمة نوايا للتطبيع، بل أنهم ومن أجل الوصول للسلطة، هم على استعداد للتعامل مع إسرائيل والقبول بها. أما زيارة ضابط خليجي سابق للأراضي الفلسطينية المحتلة بصفة شخصية لا يدين الحكومات الخليجية ولا يبرهن سعيها للتطبيع، كان الموضوع الأبرز الذي غناه «إخوان الخليج» في تقزيم حكوماتهم.

4- الزعامة الإسلامية التي تسعى إيران للوصول إليها لـ «السنة والشيعة»، فهي وإن نجحت نسبياً في تحقيق مرجعيتها السياسية للشيعة في دول متفرقة، إلاَّ أنها ما زالت تستخدم الورقة الفلسطينية للقول بتبني قضايا السنة كذلك، وتأتي هذه المساعي على الطرفين أيضاً نكاية بدول الخليج ومنافسةً لها لا سيما وأن الأخيرة مهد الدين الإسلامي وحاميته. وفي هذا استخدم «الإخوان المسلمون» القضية الفلسطينية باعتبارها فرعاً أساسياً من فروع منظماتهم الرسمية وأقاموا لها الجمعيات المتخصصة والفعاليات والبرامج، وذلك في سبيل اجتذاب المتعاطفين مع القضية الفلسطينية إنسانياً ودينياً، لصالح ولاءات «الإخوان المسلمين» بما يعمق من نفوذهم ويزيد انتشارهم، ومما يؤكد الانتشار الإخونجي على غرار المساعي الإيرانية ما نصت عليه جريدة «الإخوان المسلمين» الأسبوعية في عددها الرابع 11 يونيو 1937، «أن شعب الإخوان المسلمين في العالم كله يتوزع إلى مناطق وكل منطقة إلى دوائر، وكل دائرة إلى عدة شعب، فخصصت المنطقة الثامنة عشرة لشعب السودان، وخصصت المنطقة التاسعة عشرة لدول العالم الإسلامي، ووضعت البحرين في هذا التقسيم في المنطقة التاسعة عشرة، كما خصصت المنطقة العشرين لدول العالم الخارجي التي تقطنها أغلبية غير مسلمة».

5- زيارة الرئيس المصري السابق «مرسي» -الذي مثل حكم الإخوان- لطهران، والتي لم يسعَ لها رئيس مصري من قبل، وما حملته بين طياتها من تنازل مصر عن القضية الفلسطينية وتسليمها لإيران.

6- الاقتداء بالخطة الإسرائيلية التي ينفذها الصهيوني في فلسطين من أجل تحقيق نفوذه وتمدده والقائم على «التطفيش»، إذ استغلت إيران تلك الخطة لتفريس دولة الأحواز بعد احتلالها وطمس هويتها العربية وفق خطة «تطفيش» ممنهجة، باستيطان الفرس ومصادرة أراضيها بعد التضييق على أهلها، لتحقيق تغيير ديمغرافية الأحواز وكذلك «الإخوان» استقوا خطة «التطفيش» من معلميهم الصهاينة ليطبقوها في مؤسسات الدولة التي ينتمون إليها، وتقريب أبناء جلدتهم ودعمهم والعمل على إبعاد كل من لا ينتمي إلى ذلك «النظام الخفي» لتحقيق نفوذهم في كل مكان تطأ لهم فيه قدم، ومن أمثلة ذلك ما يلفت في تحول بعض المؤسسات إلى مؤسسات إخوانية بعد مضي فترة وجيزة على تعيين أحد أعضائها هناك. وقد امتدت تلك السياسة إلى القضية الفلسطينية من خلال علكها في الإعلام على نحو مزعج ميّع القضية وأسهم في تجاهلها بأسلوب «تطفيشي» أكثر من خدمة القضية.

* اختلاج النبض:

غير «الإخوان المسلمون» اسمهم بعد تحرير الكويت بسبب موقفهم المشين خلال الغزو، فهل أصبح «الإخوان المسلمون» بحاجة لتغيير جلدهم مرة أخرى بعد تجريمهم رسمياً؟ وبعد فشل مساعيهم في تحويل أنظار متابعي تجريمهم إلى القضية الفلسطينية، هل نتوقع أن يهربوا تحت الأرض حتى تقوى شوكتهم من جديد ليستفحل خطرهم بعيداً عن الأنظار؟!!