بدأت الأزمة في الظهور بوضوح بين دول مجلس التعاون الخليجي وقطر منذ عام 2013 في ظل ما شهده الوطن العربي من تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار في ظل الفوضى العارمة التي شهدتها عدد من الدول العربية بدءاً من نهاية عام 2010، ووجهت لقطر في عام 2013 اتهامات بدعم وتمويل وتوجيه جماعات إرهابية وجماعات معارضة في عدد من الدول العربية ومحاولة التأثير على أمن واستقرار هذه الدول، إضافة إلى توجيه وسائل إعلام لذات الهدف، وقد تمخض عن المباحثات اتفاق الرياض في 23 نوفمبر 2013 والذي حمل توقيع خادم الحرمين الشريفين وأمير الكويت وأمير قطر إضافة إلى آلية لتنفيذه وجاء اتفاق الرياض التكميلي في عام 2014 ليؤكد أن عدم الالتزام بأي بند من الاتفاق وآلية التنفيذ يعد عدم التزام بكامل الاتفاق وأنه في حال عدم الالتزام فإن من حق دول مجلس التعاون الأخرى اتخاذ ما يلزم لحماية أمنها واستقرارها.

وجاءت المماطلة من القيادة القطرية في عدم الالتزام ليعطي الحق لدول المجلس في اتخاذ ما يلزم الأمر لحفظ أمنهم واستقرارهم حيث استدعى ذلك التصعيد من الدول الأربع المكافحة للإرهاب في يونيو 2017 والإعلان عن قطع العلاقات الدبلوماسية لثني القيادة القطرية عن الاستمرار في سياساتها في دعم الفوضى وعدم الاستقرار والجماعات الإرهابية في عدد من الدول العربية بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي.

وقد اتجهت دولة الكويت الشقيقة إلى تبني موقفها الدائم الإيجابي بشأن أي خلاف ينشب بين الأشقاء من خلال دور الوساطة وإيجاد الحلول الممكنة في زيارات مثلت عاملاً هاماً في إبراز حجم الخلاف ومحاوره الأساسية والتي وضحت من خلال تسريب المطالب الثلاثة عشر التي قدمتها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب الأربع إلى القيادة القطرية، والتي تعد في حقيقتها هي ذات المطالب التي تقدمت بها في عام 2013 - 2014 ووافقت عليها القيادة القطرية آنذاك، إلا أن التصعيد دولياً والذي مثله النهج السياسي للقيادة القطرية وإفشال جهود الوساطة الكويتية إضافة الى عدم الرد والتعاطي بإيجابية مع هذه المطالب خلال الفترة المحددة لها والتي تم تمديدها بناء على الطلب الكويتي والتذرع بمبدأ السيادة ورفض التدخل في شؤونها الداخلية، ادى الى اجتماع الدول الداعية لمكافحة الارهاب في القاهرة في 5 يوليو 2017 واصدار بيان وضع ستة بنود تمثل المبادئ التي تعبر عن موقف هذه الدول من مكافحة الارهاب وهي: «الالتزام بمكافحة التطرف والإرهاب بكافة صورهما ومنع تمويلهما أو توفير الملاذات الآمنة، وإيقاف كافة أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف، والالتزام الكامل باتفاق الرياض لعام 2013 والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية لعام 2014 في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربي، والالتزام بكافة مخرجات القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عقدت في الرياض في مايو 2017، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول ودعم الكيانات الخارجة عن القانون، ومسؤولية كافة دول المجتمع الدولي في مواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب بوصفها تمثل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين».

ثم جاءت المبادرة الامريكية في 10 يوليو 2017 عبر زيارة وزير الخارجية الامريكي للكويت ثم قطر لإيجاد حل من وجهة النظر الامريكية للازمة في الخليج العربي ووقعت خلال الزيارة الامريكية لقطر القيادة القطرية على مذكرة تفاهم مع الجانب الامريكي تعنى بوقف تمويل ودعم الارهاب وذلك على خلفية اعتراف وزير الخارجية القطري بدعم قطر للإرهاب، وتشير بنود الاتفاقية الى اعتراف قطر بوقف تمويلها للجماعات الارهابية، كما تدل على التقليل من شأن الوساطة الكويتية وعدم الرغبة في حل الازمة ضمن البيت الخليجي وتدويل الازمة على المستوى الدولي، الا ان الدول الاربع اعتبرت هذه المبادرة غير كافية ودعت لمراقبة الالتزام بها دون الاتفاق على ان هذه المبادرة تمثل حلا مرضياً للتجاوزات التي انتهكتها قطر خلال الفترة الماضية وما زالت مستمرة فيها.

وقد دفعت توجهات القيادة القطرية التصعيدية بالدول الاربع الى التصعيد في الخطاب السياسي، وتبني موقف أكثر حزما في التعامل مع السياسات القطرية خاصة في ظل استدعاء القيادة القطرية الى قاعدة عسكرية تركية والحديث عن قاعدة عسكرية إيرانية وهو ما يمثل تهديدا أمنيا مباشرا لدول المجلس، وخرق واضح لالتزامات دولة قطر في إطار جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي في المجال الامني في ظل الصراع الظاهر بين دول المجلس وايران وتدخلاتها في الشؤون الداخلية لهذه الدول ومحاولتها زعزعة الامن والاستقرار في منطقة الخليج العربي.

يبقى أن نشير الى أن الخيارات المتاحة أمام الجانبين تتمثل في ثلاث سيناريوهات اساسية:

السيناريو الاول، الاستمرار في التصعيد الاعلامي والدبلوماسي والاقتصادي والسياسي دون اللجوء الى التصعيد العسكري وهذا الخيار يتوقف على التوجهات الحقيقية لدى القيادة القطرية في التعامل مع الازمة ومدى رغبتها في التصعيد، إضافة الى مدى الارادة الحقيقية لدى القوى الكبرى للضغط على قطر لوقف مثل هذه الممارسات، وتماسك الدول الاربع في التعامل مع معضلة الامن والاستقرار ومكافحة الارهاب ليس فقط بالنسبة الى الدور القطري، وانما على مختلف الاصعدة، وذلك وفق الاتفاقيات والمواثيق والقرارات الدولية والمبادئ المستقرة في مواثيق الامم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي واتفاقيات مكافحة الارهاب الدولي.

السيناريو الثاني، ويتمثل في عودة العلاقات الى الهدوء والاستقرار النسبي وتراجع حدة التصعيد ويتوقف على امكانية حدوث تغير في السياسات الخارجية للقيادة القطرية لصالح تبني مواقف اكثر اعتدالاً في التعاطي مع الدول الاربع وعودة دولة قطر الشقيقة الى المنظومة الخليجية والعربية وهذا الخيار غير متوقع على المدى القريب في ظل التصعيد الدولي للازمة ورفض الجانبين التخلي عن موقفهما، وتواضع التوجهات الامريكية والتي برزت من خلال مذكرة التفاهم في ايجاد حل يرضي جميع الاطراف، كما أن عملية صنع القرار في قطر لم تعد حكرا على القيادة القطرية وانما أصبح لديها معطيات على الارض جديدة مثل القواعد العسكرية والتواجد الامني إضافة الى عنصر عدم الثقة المتبادل والشرخ في العلاقات، ولتحقق الهدوء وعودة العلاقات يتطلب إرادة حقيقية لدى القيادة القطرية وهو ما يصعب التكهن به حالياً ولكن ليس مستحيلاً.

السيناريو الثالث، وهو اللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية بدعوى مفهوم «الحصار» لدى القيادة القطرية من الدول الداعية لمكافحة الإرهاب الأربع، ومفهوم دعم الارهاب لدى القوى الاربع من جانب القيادة في قطر، وهو غير مستبعد، ولكن يتطلب الامر بالنسبة الى قطر اثبات مفهوم «الحصار» وآثاره وهو ما يتطلب فترة زمنية ليست بالقصيرة كما يصعب وصف الواقع على انه «حصار» في ظل حرية الملاحة الجوية والبحرية خارج نطاق الدول الاربع، وبالتالي فهذا السيناريو قد يتطلب من القيادة القطرية المزيد من الدراسة قبل الاقدام عليه، وهو ما يعني انه على المستوى القريب لن يحقق للقيادة القطرية الهدف منه وهو الاستعطاف الدولي والتعويض بل قد يدفع إلى إدانة القيادة القطرية على ممارسة ودفعها تعويضات وتحملها عقوبات.

يبقى أن السيناريو الأكثر ترجيحاً على المدى القصير هو السيناريو الأول، مع الإبقاء على التوتر في المنطقة، وذلك في ظل استمرار الأوضاع الأمنية في اليمن وسوريا والعراق كملفات توتر في العلاقات الإقليمية والدولية، وفي ظل تحقق مكاسب دول كبرى من هذه الأزمة والأزمات الأخرى، كما أن هذا الوضع سوف يؤدي بدولة قطر الشقيقة إلى تحمل أعباء أكثر كلما ماطلت وتمادت القيادة في الاستجابة إلى المطالب الدولية بمكافحة الإرهاب والمساهمة في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة الخليجية والعربية، وسيظل النهج القطري في التعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي وعدد من الدول العربية وخاصة مصر محل تشكيك وعدم ثقة انطلاقاً من معضلتين، الأولى الخبرة التاريخية المتراكمة، والمعضلة الثانية عدم قبول القيادة القطرية بإيجاد حل من داخل البيت الخليجي والعربي، مما يزيد من عزلة دولة قطر الشقيقة، على الصعيدين الخليجي والعربي.

* باحث ومحاضر في العلوم السياسية