يشاع هذه الأيام أن التحالف الوطني «الشيعي» الذي يقوده عمار الحكيم في العراق، يشارف على الانهيار والتفكك، ويعمل الإعلام على المبالغة في تصوير الأمر وتناقله، والسبب أن هكذا خبر يجذب شريحة واسعة من الناس لا سيما أولئك الذين يتمنون الخلاص من سطوة إيران، بل حتى أولئك الذين انتخبوا أحزاب التحالف وأوصلوها إلى مواقعها في قيادة العراق لأنهم لم يجنوا منهم إلا الخراب والفقر، تخلى عمار الحكيم زعيم التحالف عن حزبه الحالي «المجلس الأعلى» الذي أسسته إيران وعمل من داخل أراضيها في عام 1982 لقادة آخرين اختلفوا معه بعدما أسس حزباً جديداً.

ومن بين كل ما يقال ويشاع هناك حقائق واضحة تتلخص بوجود خلافات حقيقية بين أعضاء المجلس الأعلى وغيره من أحزاب التحالف، وهي خلافات قوية وجوهرية يتعلق بعضها بتهميش دور بعض القياديين وتفرد آخرين في اتخاذ القرارات، ويتعلق بعضها الآخر بسياسة وتوجهات قادة هذه الأحزاب فمنهم من يريد نموذج «ولاية الفقيه» الذي يرجعون إليه جميعاً، ومنهم من يريد مراعاة الوجود الأمريكي وأثره والمحافظة على مقبوليته لدى أمريكا، وهذه الخلافات ليست بالجديدة وهي قديمة، يرجع تاريخها إلى بداية قدومهم إلى العراق على ظهر الدبابة الأمريكية، لكن الخلافات تظهر إلى العلن مع نهاية كل دورة برلمانية واقتراب موعد تشكيل الحكومة، وظهرت هذه الأيام بقوة أكبر لأسباب أهمها اقتراب موعد الانتخابات كما ذكرت، وكذلك خسارة هذه الأحزاب لجمهورها، والحقيقة هذه الخسارة ليست للمجلس الأعلى وحده بل لكل التيارات «الإسلامية» بما فيها «حزب الدعوة» و»الحزب الإسلامي» «سنة» وآخرين، وأصبح كل أولئك مكروهين لدى الشارع العراقي، ثم وجود أمريكا على الأرض مع شعور بعدم تركهم الانتخابات لإيران كما حصل في السابق، ولأن أغلب الوجوه القديمة لقادة أحزاب التحالف باتت في حالة من الترف والإثراء الفاحش مع امتعاض شعبي، أصبح من الضروري الاعتماد على وجوه جديدة بعناوين جديدة لا يعرفها الناس ليخدعوا بها مرة أخرى، كما لا بد من مناورة توحي للناخبين أن بعض زعماء وقادة هذه الأحزاب تمردوا على الواقع ويريدون التغيير والنهوض بالبلد من هذا الواقع المزري ولذا خرج عمار الحكيم من المجلس الأعلى وأسس حزباً آخر يجمع فيه الشباب والوجوه الجديدة ليقودوا المرحلة القادمة، وسيحتوي آخرين من العرب السنة الانتهازيين ومن الذين وصلوا إلى قناعة بأن إيران لا يمكن التخلص منها وما علينا إلا السير في مشروعها لنأمن على أنفسنا من التصفية والتهجير، ليخدم كل أولئك المشروع الإيراني، وبعد أن سمعنا ورأينا «سنة المالكي» سنسمع ونرى «سنة عمار الحكيم».

والحقيقة المرة أن كل هذه الأحزاب هي دكاكين إيران التي تخطط لها لتتمكن من البقاء رغم الانشقاقات التي تحصل فيها ورغم تناقص عدد مؤيديها وجمهورها، وما يحدث ما هو إلا مواكبة للأحداث والمتغيرات الجديدة فتغير هذه الأحزاب أثوابها فقط، محاولة دفن مرحلة سابقة، لتبدأ مرحلة لا تختلف عن سابقتها، وقبيل كل انتخابات تتشظى الأحزاب «الإسلامية» لتكسب بعض الوجوه والشخصيات المستقلة وأصوات الناخبين لتعود بعد الانتخابات إلى حاضنتها الأصلية وترجع إلى حضن «التحالف الوطني» أو ربما سيغير هو الآخر اسمه مع الحفاظ على مضمونه، ولا عزاء لمن يخدع بهم مرة تلو الأخرى.