نواصل في الجزء الثاني من المقال حديثنا عن ذكرى ثورة 23 يوليو 1952، أم الثورات في مصر الحديثة. وقد جاءت حالة السكون والجمود على مدى ثلاثة عقود في عهد مبارك، وهذا الجمود ليس كله عيباً، فقد حافظ على مكاسب مصر في سيناء، وأكمل المسيرة ورفض الانصياع للشعارات البراقة التي رفعها إخوة لنا من أبناء العروبة، ومن أبناء فلسطين، وهي شعارات لم تحقق خطوة واحدة للأمام، إلى أن تغير الزعيم ياسر عرفات للواقعية فتقدم خطوتين بالحكم الذاتي، ولكن الرافضين لم يرغبوا أن يتقدم والرافضون مثلهم مثل الأعداء، في سلة واحدة، بالرفض، والفارق أن العدو برفضه هو محتل للأرض، أما الشقيق برفضه وضعفه فهو يخدم العدو ويساعده في استمرار الاحتلال.

لقد حمى مبارك مصر خارجياً ولكنه دمرها داخلياً بإعادة الإقطاع والفساد والتخلف وبالاستمرار في السلطة لثلاثة عقود بل وإضعاف الجيش. وجاءت ثورة 25 يناير 2011 وهي حركة تصحيحية أكثر منها ثورة، وقادها شباب مصر وحماها جيشها، ولكن اختطفها عملاء الاستعمار، الذين صنعتهم أجهزة الاستخبارات الإنجليزية ثم الأمريكية ومراكز أبحاثها والمؤسسات التابعة للأجهزة ودربتهم وجعلت فكرهم يعيش في ماضٍ سحيق، بدلاً من النظر للإمام والواقع السياسي المعاصر، ورفعوا شعارات متطرفة ولجؤوا للأعداء الإقليميين لمساعدتهم على مزيد من تدمير إرادة الشعب وتدمير الشرطة والجيش وتحويلهم لحرس ثوري تابع لقوى باغية دمرت العراق وسوريا. ولكن وعي النخب السياسية والمثقفين ووعي جيش مصر البطل والأزهر الشريف والكنيسة القبطية الطاهرة والقضاء النزيه اجتمعوا ووضعوا خطة تطوير مصر ونهضتها بأبنائها وإخوتهم العرب، ذوي الأصالة وأنذروا العملاء وسادتهم بالويل والثبور وساندوا إرادة الشعب المصري الصحيحة ووقف الشعب ضدهم، ووقفت مصر بأسرها دعماً لحركة 30 يونيو ولجيشها البطل بقيادة ابن أصيل من أبناء الشعب المصري وضع روحه على كفه، وهو المشير عبدالفتاح السيسي، وهو يسعى للإطاحة بالطغاة الذين سعوا لبث الفرقة والفتنة بين أبناء مصر من المسلمين والمسيحيين وطرد العملاء الأجانب وأنصار «داعش»، الذين أعلنوها حرباً ضروساً ضد مصر وإرادة شعبها لأنهم كما قالوا الشر «إما أن نحكم مصر وإما أن ندمرها»، إذا كان هؤلاء يمثلون أية شرعية فهي شرعية الغش والخداع باسم الدين ثم شرعية الدمار والخراب والإرهاب من أجل السلطة، ولجؤوا لطغاة مثلهم للاستعانة بهم ضد وطنهم للعودة بمصر مجدداً لنشر فكرهم المتخلف والسعي للسلطة على أجساد شعب مصر من الأقباط والمسلمين، كما حدث في بلاد عربية مجاورة كان لها مكانتها فدمروها مع الحكام الطغاة.

الجيش المصري يستمع ويعمل بنصيحة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب «الفاروق»، «أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم». الحاكم ابن الشعب يخدم مصالح الشعب وقد يصيب وقد يخطئ، ولكن نيته صادقة. إن جيش مصر وقادته أمثال المشير حسين طنطاوي وعبدالفتاح السيسي وإخوتهم جميعاً آمنوا بوطنهم وبالحاكم الصالح، حتى إن وقع في بعض الأخطاء، ولكن ليس بالحاكم المريض عقلياً ويعيش في الماضي لغياب وعيه وفكره بالنسبة للمستقبل. إن الحاكم الذي يتصور أن الله أعطاه وثيقة لحكم مصر ليستعبد شعبها من أجل مآربه وعشيرته لن يكون أبداً. إن شعب مصر وجيشه لا يقتل حكامه وإنما يجبرهم سلمياً على التنازل عن السلطة وحكام مصر يتسمون الاعتدال والعقلانية وحبهم للوطن حتى وإن لم يكونوا من المصريين، مثل أسرة محمد علي فمعظمهم أثبت حبه للوطن، وكذلك أثبت حسني مبارك، أن الجميع يعملون لسلامة الوطن والشعب ويرفضون إراقة الدماء من أجل السلطة والشعب والجيش يبادلونهم الاحترام بخلاف الطغاة الذين يتشبثون بالسلطة ويدمرون شعوبهم ويستدعون الأجنبي لمزيد من الدمار والإرهاب ونشر الطائفية والانقسام بين شعوبهم باسم السلطة. وأنا لا أقول إن مصر وقواها المختلفة وحكامها وشعبها ورجال الدين فيها والمثقفين هم من الملائكة ولكنهم بالتأكيد ليسوا من شياطين الإنس الذين يدمرون أوطانهم وينشرون الفكر الطائفي الذي لا يمت للإسلام بصلة.

وللحديث بقية.