ملخص ما قاله رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران، وزير الخارجية الأسبق، كمال خرازي في المقابلة التي أجرتها معه قناة «فرانس 24» الجمعة الماضي هو أن «إيران مستعدة لإجراء حوار مع السعودية»، وملخص ما يمكن استنتاجه من هذا التصريح هو أنه قيل لأنه لا بد أن يقال شيء من هذا القبيل في مثل هذا الوقت! والسبب هو أن من يريد أن يتحاور مع الآخر لا يعمد إلى الإساءة إليه ولا يكيل له الاتهامات جزافاً، فما قاله خرازي في المقابلة لا يمكن أن يصدر عمن يريد الحوار لأنه باختصار اعتبر كل الأحداث السالبة والأخطاء في المنطقة سببها السعودية، فكيف ستتحاور معه؟ عندما تقول للآخر كل هذا فإنك تكون قد أغلقت الباب في وجهه ودعوته لرفض الحوار لأنه من غير المعقول أن يتحاور مع من يحمله كل المآسي والتطورات غير الطبيعية التي تحدث في المنطقة.

ما يجري هو دونما شك نتيجة أخطاء ولكن ليس منطقاً القول إن من ارتكبها هي السعودية. خرازي اعتبر كل ما جرى ويجري في اليمن والبحرين والعراق وسوريا نتيجة أخطاء السعودية! هل هذا معقول؟ وهل يمكن للسعودية أن تتحاور مع دولة تحملها مسؤولية كل ما يجري في المنطقة بل في العالم؟ المثير أن خرازي قال أيضاً إنه «رغم كل شيء فإننا على استعداد للتحاور معها»! طبعاً لا لزوم لمناقشة خرازي فيما قاله عن أسباب «مساعدة إيران لسوريا والعراق» فمن يقول إن ذلك حدث بسبب «القلق الذي تشعر به من الناحية الأمنية لأن الإرهابيين كانوا قريبين من حدودنا جداً» لا يمكن أن يكون مؤهلاً لدخول حوار معه، والسبب هو أن العالم كله يعرف لماذا فعلت إيران كل ما فعلت ولاتزال تفعل في سوريا والعراق؟

خرازي ليس أول مسؤول إيراني «يعبر» عن رغبة إيران في الدخول في حوار مع السعودية، ولن يكون الأخير، لكنه مثل غيره غير صادق في قوله لأن إيران أساساً لا ترى غير نفسها في المشهد كله ولا تريد أن تتحاور إلا مع نفسها، ولهذا فإنها لا تستطيع أن تقدم مفيداً للمنطقة وهي لا تعمل إلا على انتهاز الفرص التي تأتي من الخلافات بين دول المنطقة كالتي نشبت أخيراً فيها حيث أسرعت إلى فتح كل مغلق أمام تطوير العلاقة مع قطر أملاً في أن تحصل على موطئ قدم فيها، وبالتأكيد فإنها اعتبرت التحية التي وجهها إليها أمير قطر في كلمته أخيراً دعوة للبقاء وترحيباً حاراً بها، وإن لم يذكرها بالاسم.

إيران لا تبحث عن الحوار ولا تريده، إيران تريد أن تهيمن على كل المنطقة وأن تكون هي القائد وأن تحقق حلم تصدير الثورة إلى جيرانها وحلم إحياء الإمبراطورية الفارسية البائدة، فمن يريد الحوار لا يضع العراقيل أمامه ولا يمزج دعوته بالسب والشتم والإساءة إلى من يريد الحوار معه ولا يعتبر الآخر سبب كل الأخطاء في العالم.

المؤسف أن إيران لا يمكن أن تتغير، ولهذا فإن السعودية وكل دول مجلس التعاون والدول العربية بل دول العالم كله تشكك في كل ما تقوله وتعرف مسبقاً أنها غير جادة وأنها لا تسعى إلا إلى بيع هذه البضاعة الكاسدة وأنها إنما تريد ألا يوجه إليها اللوم والعتب لو أن الأحوال في المنطقة سارت على غير ما يحب أهلها.

أبواب السعودية وكل دول مجلس التعاون مفتوحة لإيران وغير إيران، وطاولة الحوار متوفرة في كل حين، لكن السعودية وكل دول مجلس التعاون متيقنة بأن إيران غير صادقة فيما تدعو إليه وغير جادة.