«1» يقول الإمام ابن الجوزي: «السعيد من ذل لله وسأل العافية، فإنه لا يوهب العافية على الإطلاق، إذ لا بد من بلاء، ولايزال العاقل يسأل العافية ليتغلب على جمهور أحواله، فيقرب الصبر على يسير البلاء، وفي الجملة ينبغي للإنسان أن يعلم أنه لا سبيل لمحبوباته خالصة، ففي كل جرعة غصص وفي كل لقمة شجأ، وعلى الحقيقة ما الصبر إلا على الأقدار، وقل أن تجري الأقدار إلا على خلاف مراد النفس، فالعاقل من دارى نفسه في الصبر بوعد الأجر، وتسهيل الأمر، ليذهب زمان البلاء سالماً من شكوى، ثم يستغيث بالله تعالى سائلاً العافية، فأما المتجلد فما عرف الله قط، نعوذ بالله من الجهل به، ونسأله عرفانه إنه كريم مجيب».

عندما تتفحص من حولك في خضم أيام الحياة، وتتأمل أحوال المرضى في المستشفيات وعلى الأسرة البيضاء في المنازل، وتسمع حكايات الألم والأنين من أناس حرموا أبسط معاني العيش، وظلوا يتجرعون غصص الآلام، فقد سلبت منهم العافية، فلا يقدرون على الحراك، وحرموا من أن تلامس جبهتم الأرض سجداً لله..

تساقطت دموعهم على ذكريات القوة ومجد العطاء، والتي لم يستثمروها بصورة صحيحة..

أو أنهم بكوا على ذكريات رائعة كانت أقدامهم تهز من خلالها مساحات الحياة، ببصماتهم وعطائهم ونبراس نشاطهم الزاخر.. بالفعل..

لا يعرف المرء قدر «العافية» إلا إذا ابتلي بسقم أو بابتلاءات حياتية قل من يصمد أمامها..

حافظ على عافيتك ما دمت اليوم سالماً تتنفس الحياة، وتعيش لحظاتها الجميلة، وتستطيع أن تمضغ لقيمات يقمن صلبك، وتشرب شربة هانئة نظيفة حرم منها الملايين في ساحات الحرمان والقسوة..

حافظ عليها ما دمت تستمتع مع أهلك وزوجك وذريتك، وتتبسم معهم ومع أحبابك ومحبيك..

حافظ عليها قبل أن تظل حبيس أدراج الأسقام والآلام.. حافظ عليها ما دمت قادراً على الصلاة والذكر في مصلاك..

ارفع كفوف الضراعة للمولى الكريم واشكره شكراً وحمداً كثيراً..

واسجد له في كل حين.. فقد حباك الخير الكثير..

وسله دائماً: «اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة..

اللهم إني أسألك العافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي».

«2» عادة ما نتكلم في تجمعاتنا ودوراتنا التدريبية عن «أنماط الشخصية» ونتكلم عن تلك الصفات التي يتصف بها كل نمط من الأنماط، ونتحدث عن أسلوب التعامل مع كل فرد..

وإن وقفنا أمام تلك الصفات وقفة فاحصة..

فإن المحطة الجامعة لكل الأنواع قوله تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر..».

وقوله تعالى: «وإنك لعلى خلق عظيم».. وحديث عائشة رضي الله عنها عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم قولها: «كان خلقه القرآن»..

فالأخلاق الجامعة هي التي كان يتصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع جميع الخلق..

وأن أهم ما يتصف به كل البشر صفة القلب السليم ثم الاحترام المتبادل وتقدير النفوس.. فمهما تغيرت أطباع البشر.. يبقى القاسم المشترك بين الجميع «حسن الخلق».. فلا خير في من تكلم في إصلاح النفوس، وهو مريض بأطباع نفسه، بل ويعتبر نفسه «مثالياً» ولم يكتشف عيوبه بعد!!

«3» هتف إلي ينادي قلباً أحبه في أيام الحياة التي مضت.. هو يعلم بأن قلب حبيبه النابض بحبه مازال يحن إليه، ويشتاق إلى ضمه ولقياه ومحاكاة أحاسيسه المرهفة.. هو يعلم أن قسوة الحياة أحياناً، وأنياب بعض النفوس التي يكشرون بها أمام من يحقدون عليه ويحسدونه..

إنما هي السبب في بلادة مشاعره.. ولكنه لم ييأس ولم يتثاقل ويتقاعس عن تأدية واجباته، ولم يعتريه الملل والسآمة والإحباط.. لأنه على يقين بأن أحوال الحياة إنما هي تجارب واقعية يحبها من قلبه، لأنها تعطيه الأمل المتجدد، والأسلوب الأمثل في التعامل مع أنواع البشر..

فهو يحمد ربه أن كشف ستر تلك النفوس المريضة، وهداه إلى شواطئ النجاة التي تبعده عن أحقاد البشر.. بالطبع لن تنتهي من حياته تلك المداهمات الحاقدة، والتي تريد النيل من إنجازاته ونجاحاته.. ولكنه حقق الأهم.. في إيجاد الحل المناسب الذي يحافظ من خلاله على حبيبه الذي أحبه.

«4» تتهلل أسارير وجهك فرحاً عندما يتحدث الغير في وجودك عن أعمال جليلة صنعتها يدك في زمان مضى.. وكنت تتحين الفرصة السانحة حتى ترى ثمار ما جنيت.. هي لحظات جميلة من عمرك..

لأنك لم تنظر من قبل بصورة مشرقة لأثر ما صنعت.. وكنت تعتقد أنك لم تقم بدورك جيداً في ميدان الحياة وبخاصة في ميدان التربية الأثيرة إلى قلبك.. كنت حينها تقرأ الكتب وتشترك في الدورات الإدارية وتدرس في الجامعة.. ثم سنحت لك الفرصة للخبرة الميدانية الأصيلة التي اكتسبت من ورائها خبرة رائعة تستطيع من خلالها أن تشيد مؤسسة عريقة في مجالات الخير يشار إليها بالبنان، ويشهد القاصي والداني بنجاحها..

اليوم ليس كالأمس.. فمن مسكت بيده وصقلت شخصيته بتلك القيم الرائعة التي غرستها فيه.. لعله حينها لم ينتبه بعد لقيمة ما غرست.. ولم ينتبه لوجودك في حياته.. لأن نفسه تعلقت بتوافه اعتقد أن النجاح فيها.. فبذل جهده بعده وعتاده.. ولكن لم يصل بعد إلى مبتغاه..

بل وقف في محطة يلتقط فيها أنفاسه.. لأنه وجد فيها ضالته، وحفظه الحافظ الكريم بحفظه، وهداه الهادي الكريم إلى طريق الخير.. وعرف أثر تلك اليد الحانية التي أمسكته في أيام قد خلت من عمره..

هو اليوم عاد إلى حضنك الدافئ.. وعرف قيمتك.. بل وزع آثارها في نفوس كل من يقابله.. لأن حضنه الأول الذي احتضنه..

أصيل ترعرعت على قممه أعلام الحكمة والخير.. فطوبى لك لأنك زرعت لآخرتك..

* ومضة أمل:

واصل التغيير حتى ترتقي بنفسك وترجع كما كنت منشرح الصدر باسم الثغر.