أولئك الذين اعتبروا أنفسهم في «ثورة» وبالغوا وكابروا وأضاعوا الكثير من الفرص المهمة بسبب إصرارهم على رأيهم واعتقادهم أنهم وحدهم من يمتلك الحقيقة ووحدهم من يحق له أن يقرر حاضر ومستقبل البحرين أين صاروا اليوم؟ ومن يسمع صوتهم؟ ومن يلتفت إليهم وسط كم الأحداث التي صارت تملأ المنطقة؟ عملياً كل ما قاموا به طوال السنوات الست الماضيات ضاع في الهواء، وعملياً كل الأنشطة التي يمارسونها اليوم لا تأثير لها، فالناس عدا أنهم صاروا مشغولين بأمور أهم وصاروا يخشون على مستقبل أبنائهم بسبب تعقد العديد من المشكلات فإنهم ملوا من تلك الممارسات ولم يعودوا يتفاعلون معها بل لم يعودوا يلتفتون إليها ولا ينظرون إليها إلا كما ينظرون إلى أي خبر عادي.

اليوم لم يعد أحد في الداخل وحتى في الخارج يتوقف عند عمليات اختطاف الشوارع وإشعال النار في إطارات السيارات بل لم يعد الدخان المنبعث من ذلك الفعل المسيء والمتخلف يلفت انتباه أحد، كذلك لم يعد يلتفت أحد اليوم لأي مظاهرة يقوم بها أولئك حتى لو كانت كبيرة وتمت خارج القرى. اليوم لدى الناس ما يكفيهم. لهذا فإن على من لايزال يعيش ذلك الوهم أن يتوقف ويراجع نفسه ويتخذ قراراً إيجابياً فيستفيد من الباب الذي تركته الحكومة موارباً لأن الاستمرار في الطريق نفسه يعني التسبب على الناس والإساءة إليهم وتعريض حياتهم ومستقبلهم للخطر، والاستمرار في إيذاء الوطن.

إذا كانت القضية الفلسطينية التي هي القضية المركزية وأم القضايا العربية والإسلامية لم تعد تشكل للكثيرين في العالمين العربي والإسلامي الأهمية التي كانت تشكلها من قبل، وهذه حقيقة مؤلمة، بل ان البعض يجزم أن بعضا غير قليل لم يتأثر كثيراً بما جرى من مواجهات في القدس في الأيام الأخيرة رغم التجاوزات ورغم السلوكيات السالبة من الصهاينة والقرارات المرفوضة من كل العالم، فهل سيتفرغون للذي يقوم به أولئك الذين تبين فقر رؤيتهم وانكشفت كل أوراقهم ويطالبون بأمور متحققة؟ وهل سينظر الناس إلى ما يقوم به أولئك ويتفاعلون معه بينما هم مشغولون بتطورات الأحداث في المنطقة إثر خروج الخلاف الخليجي إلى العلن؟ المنطق يؤكد أن الإنسان الخليجي ومنه الإنسان البحريني صار مشغولاً بـ«قصص» أخرى خصوصاً مع ازدياد الشعور بأن ما يجري فيما يخص قطر سيطول بسبب عنادها واستمرار رفضها الاعتراف بأخطائها التي تراكمت، فما يهم كل مواطني دول مجلس التعاون اليوم هو مستقبل المنطقة الذي صار مجهولاً ومستقبل أبنائهم. ما قام به أولئك انتهى ولم يعد لما تبقى منه قيمة ولا تأثير، ولو فكر «القياديون» منهم بشكل منطقي وواقعي وابتعدوا عن العواطف قليلاً لتوصلوا إلى أن عليهم أن يتوقفوا عن ممارسة كل ما يقومون بممارسته ويواجهون من قاموا بإخراجهم إلى الشوارع بالحقيقة، بل لسعوا إلى تعويضهم بفتح قناة اتصال مع الحكومة لإغلاق هذا الملف بشكل نهائي.

هل فشل أولئك فيما سعوا إليه في السنوات الست الماضيات وما سبقها من سنوات قضوها في الإعداد والتحضير والتخطيط والشحن؟ الجواب الذي لا يرفضه إلا من لايزال يكابر ولايزال غير قادر على التعامل مع الواقع هو نعم، ذلك الذي سعوا إليه فشل ولا بد من اعترافهم بهذا وإلا سيورثون الفشل لأبنائهم وأحفادهم وسيصيرون على هامش المجتمع.

كان أملهم حصول تغير ما في المنطقة يفيدهم لكن التغير الذي حصل لم ينفعهم لأنه لم يصب في صالحهم، فنتيجة لذلك التغير انفض الناس من حولهم وانشغل الجميع بأمور أخرى تتعلق بمستقبلهم ومستقبل أبنائهم. فهل سيستمرون في المكابرة أم سيتعاملون مع المستجدات والمتغيرات بواقعية؟