أتذكر في عام 2011 كيف آثرت بعض الاستثمارات المستقبلية التي خططت لأن تكون البحرين موقعاً لها، إما مقراً أو فروعاً، كيف آثرت أن تتجه لجهات أخرى، لسبب بسيط جداً، يعتبر إحدى قواعد العمل الاستثماري القائل بأن «رأس المال جبان».

ولأن الاستثمار معادلته الرئيسة تأتي من اسمه، أي أن المستثمر يريد أن يرى نمواً وعوائد لاستثماراته، بالتالي حينما تكون البيئة غير مستقرة، سواء أمنياً وهو العامل الأول، أو لعوامل أخرى مجتمعية، فإن الرهان بنجاح الاستثمار يعد مقامرة كبرى.

كان أحد الأهداف آنذاك يتركز على كسر الاقتصاد الوطني، وكثير من الشائعات والأخبار المفبركة ومحاولات تشويه السمعة بالباطل، هدفها الرئيس هو تخويف رؤوس الأموال وإبعادها عن البلد التي كانت تعرف بأنها «بيئة صديقة للاستثمار» ومركز للتعاملات التجارية.

المشكلة أن هناك تأثيراً واضحاً حصل، لم ينحصر فقط على إرهاب رؤوس الأموال الأجنبية بحسب، بل وصل للإضرار بشركات بحرينية محلية عديدة، وتعدى ليصل لتدمير عديد من المشروعات المتوسطة والصغيرة لأفراد بحرينيين، بعضهم استفاد من برامج «تمكين» وآخرون وضعوا ما يملكونه من مدخرات وأموال تقاعد ليدخلوا بالتجارة، فتضرر كثيرون منهم، وأعرف أشخاصاً اضطروا لوقف أنشطتهم، وتحولت أموال أشخاص من الربح إلى الخسارة والديون.

عملية إنعاش الاقتصاد كانت تحدياً بالنسبة للدولة، وتمثلت بجهود يعرف عنها من يبحث ويسبر بدقة، فترى الدور الذي يقوم به مجلس التنمية الاقتصادية لاستعادة الاستثمارات، والجهود التي تبذل من قبل وزارة الصناعة والتجارة والسياحة، وغيرها من تحركات حكومية، نجحت في أن تعيد البحرين لصورتها المعهودة.

اليوم عجلة الاقتصاد تتحرك، وإن كانت المسألة لا يدرك أبعادها كثيرون، إلا أن الملاحظ بسهولة استعادة وضعنا الاقتصادي لعافيته من خلال عمليات الاستقطاب والاتفاقيات المشتركة وفتح المجال بشكل أوسع للاستثمار.

الإيجابي ما نشر أمس وكشف أن حجم عوائد الاستثمار في مملكة البحرين خلال عام 2016 بلغت حوالي 4 مليارات دولار «مليار ونصف دينار بحريني».

مبلغ ليس بالقليل لو وضعنا في الاعتبار تداعيات الأزمة المالية وترنح أسعار النفط، إضافة لعوامل الاستقرار الأمني في المنطقة، في ظل قلاقل عديدة تثار بفعل فاعل، ناهيكم عن الحرب على الإرهاب، والتي خلقت صورة نمطية لدى المجتمع الغربي، بالأخص شركات الأعمال ورجالها بأن هذه منطقة حمراء الدخول إليها مغامرة كبيرة.

الأرقام بتفحصها تكشف لنا عن حجم الاستثمارات المتنوعة، والتي تشمل عديداً من الدول من مختلف القارات وجدت في البحرين سوقاً استثمارياً ومناخاً تجارياً إيجابياً، وكلها في النهاية تصب في صالح تحريك العجلة الاقتصادية في البلد.

هذه العجلة التي لا بد وأن تكون في حراك مستمر، لأن لديمومتها انعكاسات إيجابية بالضرورة، لكن أيضاً لاستمرارها ارتباط لا ينفك مع استمرارية عملية دخول وخروج الأموال ورفد مصادر الدخل.

كنت أظن بأن أكثر المستثمرين لدينا في البحرين هم أشقاؤنا في الخليج العربي، ورغم صحة هذا الظن باعتبار أن مجموع استثمارات الدول الشقيقة يتفوق على استثمار أي دولة، لكن المثير أنه على الصعيد الفردي تأتي الهند في المقدمة بمبلغ يصل إلى 640 مليون دولار، تليها السعودية «146 مليوناً» ومن ثم الإمارات «144 مليوناً».

بيد أن القائمة تكشف وجوداً قوياً للصين بـ54 مليوناً، ولوكسمبورج بـ35 مليوناً واليونان بـ34 مليوناً والشقيقة عمان بـ30 مليوناً والقائمة تطول، ولعل الاستثمار الأمريكي الذي بلغ في عام 2016 مبلغ 19 مليوناً سيزيد بعد جولة الرئيس ترامب واتفاقاته التجارية الخليجية.

خلاصة القول يعيدنا للتذكير بما أوردناه أمس، من أن الاستقرار الأمني وعودة المناخ الداخلي في البحرين لما كانت عليه سابقاً كبيئة حاضنة للاستثمار، كان له التأثير الكبير، وها هي الأرقام التي تنشر تأتي لتثبت صحة هذه المعادلة التي تربط الاستقرار بنمو الاقتصاد وازدهار الاستثمار.