أسوأ نوعية من البشر، هم أولئك اللابسون لأقنعة، هم من يظهرون ما لا يبطنون.

هم الأسوأ لأنهم يفاجئونك على حين غرة، فتسقط أقنعتهم وتنصدم بهم، ولربما تكون قد أوغلت وقطعت أشواطاً كبيرة في التعاطي معهم. هؤلاء إن ساروا معك طوال هذا الوقت، فإن ما بداخلهم تجاهك يسير معهم، يخفونه فلا يظهرونه جهاراً، بل يظهرون العكس، ولربما يجاملون ليصلون لمستوى متقدم من العلاقة التي توهمك أنهم على قلب واحد معك، طبعاً هذا إذا أنت كنت ضحية لبياض قلبك وصفاء نيتك.

هذا ينطبق تماماً على كثير من العلاقات البشرية، خاصة تلك التي لا تقوم على جذور قوية مضروبة في الأرض، تغذيها القيم والأعراف والأخلاق، والتي قد يكون الخلل فيها «اختلال» التوازن في العلاقة بين الأطراف، بحيث يكون طرفاً كارهاً حاقداً يخفي ما يبطن، وطرفاً يتعامل بسجيته وأريحيته شعاره حسن الظن وتوسم الخير.

لكن المسألة تتعدى حتى العلاقات البشرية، بل تصل لمستوى العلاقات الشعبية مع الدولة، تدخل ضمن الارتباط الذي يحكم الناس وقياداتهم، ولهذا الجانب تفصيل.

نذكركم بحجم الصدمة والدهشة التي طالت الشارع البحريني، بالأخص المخلصين لقيادتهم وبلادهم، حينما تفاجأوا بمحاولة انقلاب صريحة تستهدف نظام الحكم، ويرتبط عرابوها والقائمون عليها بروابط صريحة مع المعتدي الأجنبي الطامع طوال عقود.

ليس لأن الصدمة كانت من شيء لا نعرفه كبحرينيين مخلصين لبلادنا وقيادتنا، إذ التاريخ القريب يشير لمساع مريضة، ومحاولات انقلابية موثقة، بل لأن «الأقنعة» سقطت، والوجوه كشفت على حقيقتها، والثابت يقول دائماً بأن «ساعات الصفر» و«المنعطفات المحورية» تحمل دائماً «مفاجآت» وتكشف عن «صدمات» في نفس الوقت.

لذلك، الصدمة كانت لدى كثيرين، حينما رأوا عناصر وأشخاص كانوا يتعاملون معهم خلال حياتهم اليومية، وكثير منهم تربطهم بهم علاقات إنسانية، بل بعض العلاقات كانت تمتد لسنوات وتطورت لتصبح ذات ثقة غير عادية، كلها سقطت فجأة حينما «دقت ساعة الصفر»، وحينما استدعى الموقف أن تتكشف الأوراق، ويكون اللعب على المكشوف.

كنت أتذكر صدمات كثيرين من الأصدقاء والمقربين حينما رأوا الصور، وحينما عرفوا الأشخاص الذين تحولوا بين ليلة وضحاها من وضعية «الحمل الوديع» إلى وضع «الضبع الشرس»، وكيف هالتهم هذه العملية، إذ كيف يكون سهلاً على هذه النوعية من البشر «التلون» والعيش هكذا لفترات طويلة بأسلوب التمثيل والادعاء، وفجأة تحولوا إلى أعداء يهددون بلادنا وأهلها في مصيرهم وكيانهم وأمنهم.

ما مر بالبحرين ومضت عليه أعوام الآن، لا ينبغي أن يمر هكذا مرور الكرام، فالدروس المستفادة منه كثيرة، خاصة تلك المرتبطة بالأشخاص الذين طعنوا بلادنا في ظهرها، الذين عاشوا بيننا وتعاملوا معنا وكأنهم أقرب من الإخوة، واتضح بعدها أنها تلون وتجمل وتقية وغيرها من ممارسات الزيف والخداع، واستغلال طيبة الدولة والأسوياء من البشر.

دائماً ما أقول بأن «العدو الصريح» في عداوته، الواضح في شكله، والبين في تصرفاته وأفعاله، شره أخف وطأة من «العدو الصديق»، الذي يظهر ما لا يبطن، لأن النوع الأخير لا يعرف المواجهة الصريحة ولا يلجأ لها إلا بعد أن يوجه أول ضربة غدر في الظهر.

حفظ الله بلادنا من سكاكين الغدر التي تقدم نفسها على هيئة ورود، والتجربة خير معلم.