قد تكون أسعار النفط ماضية تجاه الارتفاع في الفترة القادمة بحسب ما يقول بعض الخبراء الاقتصاديين، لكن الواقع يقول لنا إن العامين الماضيين كانا الأسوأ منذ سنوات طويلة من ناحية «ترنح» أسعار النفط، وما توازى معها من تأثيرات مبررة.

مرت علينا أزمات اقتصادية عديدة، خلالها اضطرت كثير من الدول للتعامل بدرجة كبيرة من «الواقعية»، ولجأت لخفض النفقات، وتقليل المصروفات، وتأثرت جموع بشرية من إجراءات اتخذت بسبب ضرورة مواكبة الوضع والتعامل معه بصورة جدية.

وفيما مضى من شهور، كان لتراجع أسعار النفط تأثيراته الكبيرة، بالأخص للدول المصدرة للخام الأسود، وتحديداً تلكم الدول التي تقوم اقتصادياتها على النفط كمورد رئيس إن لم يكن مورداً وحيداً.

تنويع مصادر الدخل، ودخول أطوار جديدة من تحديات إيجاد منابع اقتصادية غير نفطية مثل «هاجساً» ضرورياً لكثير من الدول منها مملكة البحرين، إذ عصر ما بعد النفط، واقع لا مفر منه، والتعامل معه بات لزاماً على الدول التي لا تريد المغامرة في الاستمرار على مورد وحيد، تأثره يمكن أن يؤدي لكوارث وتداعيات لها آثارها السلبية.

تجربة الإمارات كانت واعدة في هذا المجال، وتطورت لتصبح أنموذجاً جميلاً بالمبادرات التي أطلقت مؤخراً، تحت شعار اقتصاد بلا نفط، ويعزى ذلك لما واجهته الشقيقة العزيزة على الصعيد الاقتصادي خلال الأزمة المالية.

وعلى نفس المنوال تمضي الدول النفطية، ومملكة البحرين إحداها، ولا يدرك أبعاد التوجه لمواكبة ذلك، إلا من يتابع عن كثب الأداء الاقتصادي من ناحية استقطاب الاستثمارات وتنويع مصادر الدخل.

خيراً فعل مجلس التنمية الاقتصادية حينما نشر بالأمس إحصائيات وأرقام وبيانات تبين أن الاقتصاد غير النفطي بدأ يأخذ منحنى تصاعدياً من خلال عمليات استقطاب الاستثمارات ودخول رؤوس الأموال، وتنويع مصادر الدخل.

حالنا في هذا الجانب بالنسبة لعام 2017 أفضل من العام السابق، النسبة في ارتفاع ملحوظ، وهناك طلبات عديدة لشركات تريد دخول السوق البحريني، وتريد الاستثمار فيه، خاصة وأن الأسعار التشغيلية والإيجارات في البحرين ليست بنفس مستوى الغلاء في بعض الدول القريبة، ما يعطي البحرين ميزة هنا، وبحسب ما يصلنا من معلومات، فإن العمل يبذل باتجاه تذليل كثير من الإجراءات أمام المستثمرين ورؤوس الأموال ليتبين أمامهم بأن البحرين تملك بالفعل مناخاً استثمارياً وبيئة صديقة لرجال الأعمال.

عصر ما بعد النفط، عنوان ليس بالسهل الخوض فيه، لكن من المهم أن يدرك الناس أبعاده، ويستوعبوا ما نمر به من ظروف اقتصادية وبشكل تفصيلي. عنوان يمثل تحدياً على الحكومات والدول، يفرض عليها التفكير بحلول مبتكرة وبمعالجات ذكية، تحول النفط من مورد رئيس إلى مورد ضمن مجموعة موارد، مع التذكير بأنها مهمة صعبة جداً، لكنها ليست مستحيلة.

المؤشرات تقول إن هناك استثمارات عديدة ستدخل البحرين قريباً، وهناك مشاريع بالمليارات يتم العمل على تسهيل استقطابها للداخل، بما يحرك عجلة الاقتصاد وينعشها وبما يوفر في نفس الوقت آلاف الوظائف للبحرينيين، ضمن اشتراطات توضع، على رأسها أن تكون أجور الوظائف مجزية، بحيث تكون مناسبة لشريحة المواطنين.

شخصيا أركز على التطرق للأرقام التي ينشرها مجلس التنمية وتبين أداء الاقتصاد الوطني، لهدف يتلخص في ضرورة استيعابنا لآلية لابد من استمراريتها، تتمثل بأن تكون عجلة الاستثمار مستمرة تستقطب الأموال التي تضخ داخل البلد، بالتالي تكون الذراع الاستثمارية الاقتصادية مؤدية لدورها على الوجه الأفضل، في مقابل الاستمرار بالمطالبة بتطوير عمليات الإدارة المالية وضبط النفقات والاستغلال الأمثل للميزانية المرصودة من قبل الدولة.

من يخطط للبلد مالياً، من ناحية موازنات ومصروفات تبرمج على الأبواب المختلفة للميزانية وعلى المشاريع، لابد وأن يشعر في المقابل أن عجلة الاستثمار والاقتصاد مستمرة بالعمل، بل ويتنامى عملها، لأن الطرفان يكملان معادلة الاقتصاد الوطني.

هذه المؤشرات والأرقام التي تنشر إيجابية، تمضي في إطار التعامل مع تحدي «عصر ما بعد النفط»، وكمواطن حينما أرى الاستثمارات تزيد والمداخيل المتنوعة نسبتها في ارتفاع، وأن هناك عودة واضحة لرجال الأعمال ورغبات في الانطلاق من أرض البحرين لمشاريع مختلفة كثير منها ذا سمعة عالمية، هذه بالنسبة لي مؤشرات إيجابية، تخلق لدينا نوعا من التطمين والثقة على الوضع المالي، من ناحية الإيرادات، بودنا أن تكون مماثلة بالنسبة للمصروفات وعمليات الاستدانة المعنية بها الجهات المالية الرسمية.

المستقبل القريب يحمل تباشير طيبة من ناحية الاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال، نأمل أن نبني على ما حققناه، وأن نزيد فيه.