تبسيطاً للموضوع يمكن القول إن الدول الأربع «البحرين والسعودية والإمارات ومصر»، التي اتخذت قراراً بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر اتخذت موقفها هذا ورفدته بحزمة إجراءات بسبب ارتكاب قطر مجموعة من الأخطاء والتجاوزات التي تؤثر عليها وعلى منظومة مجلس التعاون وكل المنطقة وبعدما لم تجد أي استجابة من الدوحة التي أصرت على أنها لم تخطئ ولم تتجاوز ولن تستجيب، ولهذا حدث كل ما حدث من أمور مثيرة في الشهرين الماضيين. هكذا ببساطة. وببساطة أيضاً يمكن القول إن الوضع سيستمر في التعقيد والتأزم بسبب استمرار قطر في الإصرار على موقفها وبسبب جلبها قوى أجنبية وتطوير علاقاتها مع إيران التي ظلت تنتظر الفرصة كي توجد لها موطئ قدم في الضفة الأخرى من الخليج العربي وبما يوفر الاعتقاد بأن قطر تسعى إلى أن تمسك منظومة مجلس التعاون من اليد التي توجعها.

من يتابع عناوين الصحف القطرية التي لا تستطيع إلا أن تعبر عن رأي وموقف الحكومة -وهذا طبيعي في مثل هذه الظروف بشكل خاص- يمكنه أن يصل إلى الاستنتاج ذاته، فقطر مصرة على موقفها وعلى أنها لم تخطئ وأن ما جرى يراد منه الكيد لها وإذلالها بغية أن تكون منقادة ومسيطر عليها من قبل شقيقاتها وخصوصاً السعودية كونها الدولة الأكبر في منظومة التعاون.

كل هذا صار واضحاً، لذا لم يعد أحد يقول إن المشكلة ستحل قريباً بل صار الكل يضع السيناريوهات ويوفر تصوراته لحالة المنطقة ومجلس التعاون في الفترة المقبلة. البعض يجزم بأن مجلس التعاون سيستمر ولكن من دون قطر، والبعض يجزم بأن المجلس صار في حكم المنتهي، وبعض ثالث يوفر تصورات عن صيغ جديدة للعلاقات بين دول الخليج العربية، والجميع لا يستبعد تدخل القوى الكبرى بهدف الحفاظ على مصالحها وتدخل التنظيمات الإرهابية التي تلقت في الآونة الأخيرة ضربات موجعة وقد تعتبر دول مجلس التعاون كلها أو بعضها ساحة مناسبة لها لتؤكد أنها لاتزال قادرة على الاستمرار وصامدة وعازمة على الانتقام لنفسها، وهو ما تؤكده الفيديوهات التي انتشرت أخيراً والتي منها فيديو منسوب لـ«داعش» يتضمن رسالة تهديد مباشرة لدولة الكويت التي ستظل هدفاً أيضاً لجماعة «حزب الله» خصوصاً بعد الاحتجاج الرسمي الذي رفعته إلى الحكومة اللبنانية بسبب دعم ذلك الحزب لما صار يعرف بـ«خلية العبدلي» وتوفير السلاح والحماية لعناصرها.

استمرار المشكلة القطرية سيؤدي إلى تكالب تلك القوى وتلك التنظيمات على المنطقة وقد تتحول سريعاً إلى ساحة لتصفية الحسابات وتحقيق الأهداف، والأكيد أن إيران التي حصلت على موطئ قدم لها في قطر وكذلك تركيا التي صار لها تواجد عسكري هناك ستوظفان ما تمتلكانه من خبرات وتجارب كي تحصلا على هامش أكبر من المكاسب، بل ليس بعيداً أن يتحول الصراع الذي لايزال بعضه في سوريا والعراق والمستمر في اليمن إلى دول التعاون بغية تفتيتها و«إعادة توزيعها»، فليس أفضل من هكذا ظروف وفرص تعين تلك القوى والمنظمات على تحقيق المكاسب.

عناد قطر وضع المنطقة برمتها على كف عفريت، واستمرارها في موقفها السالب سيوفر لتلك القوى والمنظمات هامشاً أكبر للتحرك وليس بعيداً الاحتكام إلى السلاح ورؤية ما كان أهل الخليج العربي يشاهدونه عبر شاشات التلفزيون حاضراً في بلدانهم.

ليس معلوماً ما إذا كانت هذه الصورة واضحة للحكومة القطرية لكن الواضح هو أنها مصرة على موقفها ولاتزال تعاند، والواضح أيضاً أن ما يحدث من شأنه أن يحول المنطقة إلى ساحة للصراع والقتال لن يخرج منها أحد منتصراً مهما فعل.

الصورة قاتمة ولكن التمسك بالأمل أمر طيب وقد تستجد ظروف تعين قطر على العودة إلى رشدها.