نتناول في هذا المقال تاريخ الفتح الإسلامي للقدس. ومن المعروف أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطى عهداً لبطريرك القدس صفرونيوس الذي أصر على تسليم المدينة لعمر بن الخطاب، وبالفعل ذهب عمر، واستلم المدينة، وأعطاه عهداً عرف باسم العهد العمري، بعدم المساس بالكنائس وأملاك المسيحيين في المدينة، واحترام المقدسات، وكان اسم المدينة إيليا. وقد اختلفت نصوص العهد العمري فطرأ عليها بعض التغيير بعمل نصوص معدلة تتعارض تماماً مع المبادئ الإسلامية بألا يبنوا أي كنيسة أو معبد ولا يصلحوا ما يهدم منها ولا يلبسون ثياباً أحسن من ثياب المسلمين ولا يسيرون ركباناً في وجود مسلم وغير ذلك من الأمور التي تعكس روحاً غير إسلامية.

ولكن ما يهمنا أن اليهود كانوا ممنوعين من دخول مدينة القدس لسببين، أولهما أنهم ساعدوا الفرس على دخول المدينة والسيطرة على فلسطين، وهزيمة الدولة البيزنطية. وعندما انتصرت الدولة البيزنطية بعد ذلك ببضع سنين منع اليهود من دخول المدينة عقاباً على خيانتهم وتحالفهم مع الفرس. والثاني، كانت الدولة البيزنطية في عهد الإمبراطور قسطنطين الأول حوالي 300 ميلادية قد اعتنقت المسيحية فمنعت اليهود من دخول المدينة لأنهم وشوا بالسيد المسيح لدى الرومان، الذين كانوا وثنيين آنذاك، ومن ثم حدثت القطيعة مجدداً لليهود.

عمر بن الخطاب والمسلمون لم يكن لهم دور أو موقف في منع اليهود من دخول المدينة، ولكن إزاء إصرار بطريرك المدينة تضمن العهد العمري رغبتهم بمنع اليهود. ولكن مع مضي السنين تسلل اليهود وعادوا للمدينة كما عاد الصليبيون واحتلوا المدينة زهاء 100 عام ثم حررها صلاح الدين الأيوبي عام 1187 من الصليبيين المستعمرين.

ما نريد أن نؤكد عليه أن الإسلام احترم المسيحيين كما احترم اليهود وغيرهم من الأديان والآيات القرانية الدالة على التسامح الإسلامي كثيرة.

إن المسلمين لم يمنعوا اليهود بل عاشوا في كنف الإسلام في الدولة العباسية والدولة الأموية في الأندلس وفي مختلف المناطق الإسلامية بحرية واحترام.

وللتوضيح بخصوص علاقة اليهود ببيت المقدس نقول باختصار إن الذي بنى بيت المقدس كمعبد مختلف عليه هل آدم أم ابنه سيث أم سام بن نوح أم إبراهيم وهكذا. ولكن الأمر غير المختلف عليه هو أن الذي بنى مدينة القدس هم اليبوسيون واسموها «يبوس» ثم تطور إلى «أور سليم» أي «نور سليم»، ثم تطور اسمها إلى «أورشاليم». وقد أوضحت ذلك في محاضرتي بجامعة أوسلو عام 1976 وعقدت عن وضع القدس في الأديان الثلاثة، وكنت متحدثاً باسم المسلمين وتحدث يهودي وآخر مسيحي نرويجيين كل عن موثق دينه من المدينة المقدسة.

إن المسجد الأقصى الوارد ذكره في القرآن الكريم هو مكان للعبادة في المدينة ولم يكن محدداً كما هو الآن ثم صلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما استلم المدينة في مكان خارج كنيسة القيامة، خشية أن يقوم المسلمون بعده بالاستيلاء عليها وتحويلها لمسجد وكان مسجد عمر من الخشب ثم جاء معاوية وأعاد البناء بالحجر، وتم تجديد المسجد عشرات المرات منذ ذلك التاريخ وكان يتعرض للزلازل أو الحريق أو نحو ذلك.

والمشكلة أن الصليبيين لمزيد من الفتنة بنوا مكاناً وأطلقوا عليه معبد سليمان تماشياً مع اهتمام اليهود بإعادة البناء الذي هدم عدة مرات، ونهب آثاره في الغزو البابلي للقدس، عندما تم أسر اليهود، وأخذوهم معهم إلى بابل ولما انتصر الفرس على بابل تركوا لليهود حرية العودة فعادوا وبنوا هيكل سليمان في مرة أخرى.

والخلاصة أن المدينة المقدسة ومنطقة المسجد الأقصى كانت مقدسة قبل ظهور الإسلام وقبل المسيحية بل وقبل اليهودية ثم جاءت الأديان السماوية الثلاثة لتنظر إليها بقدسية. وختاماً نرجو من ذلك أن نطمئن القراء على المسجد الأقصى، فالله يحفظه.