قول السفير الإيراني لدى الدوحة محمد سبحاني «إن الفرص مناسبة للغاية لتعزيز التبادل الاقتصادي بين طهران والدوحة» لا يعبر عن حقيقة ما تسعى إليه طهران ولا الدوحة، فالقصة ليست قصة تبادل اقتصادي وتسهيلات تجارية، فهذا التصريح وأمثاله في مثل هذه الظروف والتطورات التي تشهدها المنطقة وإصرار قطر على موقفها وسلوكها المؤذي لشقيقاتها ليس إلا لذر الرماد في العيون، فما يجري بين طهران والدوحة من أمور في الخفاء كثير وخطير ولكنه مكشوف للدول الأربع التي اضطرت لقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر واتخذت إجراءات أجلتها طويلاً أملاً في أن تنتبه قطر إلى ما تفعله وتعود إلى رشدها.

ما يتم ترتيبه بين إيران وقطر أبعد من اتفاقات تجارية ونشاط يرمي إلى خدمة اقتصاد البلدين، ما يتم ترتيبه يضر بالمنطقة عموماً وبالدول المقاطعة لقطر على وجه الخصوص. قطر تريد أن تشعر بالأمان وتحمي نفسها، فهي تعتقد أن الدول الأربع لن تكتفي بما اتخذته من قرارات وإجراءات ومواقف ولكن قد تلجأ إلى الخيار العسكري، أما إيران فتريد أن تستغل الموقف وتستفيد من الفرصة التي ربما لا تتكرر لتأتي بحرسها الثوري وجيشها إلى المنطقة وتبدأ في تحقيق حلمها الذي لم تتوقف عن السعي إلى تحقيقه على مدى العقود الأربعة الماضية.

ما يجري بين إيران وقطر ظاهره الاقتصاد لكن باطنه مختلف وبعيد عن هذا الباب ويحقق ما ترمي إليه قطر وما ترمي إليه إيران التي ترقص اليوم طرباً ولن يغمض لها جفن حتى ترى نفسها وقد تمكنت من تحقيق حلمها، فمن أجل تحقيق الغاية الكبرى لا بأس لو مارست كل الأدوار وأسبغ عليها كل الصفات حتى لو كانت غير لائقة.

ما تقوم به إيران وقطر صورته الاقتصاد وعناصره التجار ولكن لا علاقة له بالاقتصاد والهدف منه زعزعة استقرار دول المنطقة ودول الخليج العربي المقاطعة لقطر على وجه الخصوص، لهذا ليس مستبعداً أبداً الإعلان في أية لحظة عن إنشاء قاعدة عسكرية إيرانية في الدوحة «تلبية لرغبة البلدين» ما يعني دخول دول منظومة مجلس التعاون والمنطقة كلها في مرحلة جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات إلا العودة إلى ما كانت فيه وعليه.

انفتاح إيران على قطر بهذه الطريقة وتعجلها تطوير العلاقة بين البلدين ليس لسواد عيون قطر ولا لإخراجها من أزمتها، فإيران تريد لهذه الأزمة أن تستمر لأنها لا تستطيع أن تعيش خارجها وتخسر الفرصة التي أتتها إلى مكانها، وهي تبدأ بالاقتصاد والتبادل التجاري لتنتهي إلى اللحظة التي ترى فيها نفسها وقد سيطرت على ضفتي الخليج العربي وتسيدت المنطقة.

دخول إيران إلى هذه المنطقة عبر بوابة قطر يعني بداية مرحلة التواجد الإيراني وبداية تحقق حلم تصدير الثورة إلى دول مجلس التعاون، ودخولها يعني بدء مرحلة صراع جديدة قد تكون قطر أول المتضررين منها، فإيران ستنسى سريعاً «فضل» قطر عليها بجلبها إلى المنطقة وقد تبخل عليها حتى بكلمة «سامحيني» فإيران من الدول التي تدوس على كل شيء بما في ذلك المبادئ والأخلاق من أجل مصلحتها ومن أجل تحقيق حلمها الذي لم تغفل عنه أبداً. ولكن لماذا نلوم إيران التي لم تفعل سوى أنها استغلت الفرصة التي وجدتها فجأة في حضنها؟ أليس هذا هو ما يمكن أن تفعله كل دولة من دول العالم في مثل هذه الظروف؟

هذا لا يعني أن قطر غافلة عن نوايا إيران وأطماعها، فقطر تعرف هذا الأمر جيداً جداً وواعية له تماماً ولكن الواضح أن تقديرها هو أن لي يد الدول المقاطعة باستجلاب إيران والتهديد بها يمكن أن يخفف عنها شيئاً من الضغوط التي تمارس عليها.