إن من أكبر المضامين الحقيقية للمجتمعات المتقدمة هو توسيع مفهوم التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع الواحد، فحين تضيق الدنيا بالمعوزين والفقراء بسبب عوامل اجتماعية واقتصادية خانقة يأتي دور التكافل الاجتماعي لسد هذا الفراغ في حياة هذه الطبقة ورفعها لمستوى معيشي مضمون ومريح ومناسب.

يجب أن ينتهي مفهوم الدولة الريعية والمعيلة في عصرنا الراهن، فمفهوم حساس كمفهوم التكافل الاجتماعي لا يقوم على عاتق الدولة وإنما على وعي الناس بأهميته وقيمته، بل حتى وإن استندت عليه غالبية المؤسسات المدنية والمنظمات الخيرية في طريقة عملها وجمعها للأموال إلا أنها تخرج كفكرة من رحم التكافل ولا شيء آخر.

هناك عدة أوجه للعطاء المنضوي تحت مظلة التكافل الاجتماعي، ليست كلها جمعيات ومنظمات وصناديق خيرية، كما إن ترشيد الوعي بخصوص طريقة وأسلوب استهلاك المجتمع ربما ينظم من جهة أخرى قيم التكافل الاجتماعي بين الفائض والمحتاج، فعلى سبيل المثال، حين ينظم أفراد المجتمع طريقة عيشهم في قضايا الاستهلاك وعلى وجه التحديد في الكماليات منها بشكل راشد ومستقيم فإن الكثير من الأموال التي ستكون على شكل مساعدات خيرية تصل لأصحابها دون حاجة المجتمع للدولة، بل سيكون حاجته للدولة في حدود تنظيم هذه المساعدات فقط، أما مفهوم التكافل كمفهوم إنساني متطور فإنه لن يمس بأي شكل من الأشكال لأن من يقوم بعملية تحريكه باتجاهه الصحيح هو أفراد المجتمع الذين يعون أهمية التكافل.

ترشيد النفقات الخاصة بالاستهلاك الفردي كشراء الكماليات وما يزيد على حاجتهم وتنظيم شؤون السفر والصرف في القضايا الترفيهية المختلفة يوفر مئات الملايين من الدنانير سنوياً التي يمكن أن تكون مصدراً هاماً جداً لحصالة التكافل المجتمعي، وبها تُسد حاجة كل المحتاجين في المجتمع دون استجداء الدولة المعيلة. هذا هو النظام المعمول به في غالبية الدول المتقدمة على الرغم من اعتمادها الأساس على الرأسمالية الأنانية كنظام اقتصادي يدير شؤونها إلا أن مفهوم نظام التكافل الاجتماعي فيها أعطى بعداً آخر من أبعاد المساعدات الإنسانية التي تغطي حاجة الفقراء.

نحن لا نقول بضرورة رفع يد الدولة مطلقاً عن هذا الأمر، بل نحن نذهب باتجاه أن يكفل المجتمع نفسه بنفسه تحت نظام التكافل الاجتماعي المقنن، وهذا الأمر لا يكون إلا من خلال معرفة المجتمع نفسه بأهمية هذا النظام الذي له علاقة بأسلوب تفكيرنا وطريقة حياتنا وطبيعة استهلاكنا، فالتكافل كنظام مجتمعي جميل لا ينجح في مجتمع أناني لا يرى المحتاج بعينه الأخرى، أو يرمي به في أحضان الدولة التي ليس من أسمائها «المعيل»، وإنما لينجح يحتاج إلى التكافل اللصيق مع جيراننا وإخواننا وفقراءنا في ذات المجتمع.