لم نعتد منذ عقود أن نرى إيران تحاول لبس رداء «الحمل الوديع» فيما يتعلق بمنطقتنا الخليجية، وفيما يتعلق بالعرب عموماً.

الجمهورية الولائية الخمينية الخامنئية، قامت على مبادئ كره العرب، واستهداف الخليج العربي، وبادعاءات أن المنطقة الخليجية كلها وليست أجزاء منها، يفترض أن تكون ضمن الدولة الفارسية الصفوية التي تحاول إعادة إحياء تاريخ كسرى وإمبراطوريات المجوس.

مؤشرات العداء واضحة، ومحاولات التغلغل في مجتمعاتنا لا تحتاج لعيون خبير لتكشفها، ومساعي ضرب أمننا القومي مثبتة وبالأدلة والشواهد، وصناعة العملاء والطوابير الخامسة وتجنيد خونة الأوطان صناعة إيرانية بامتياز.

وعليه، فإنك حينما ترى تلوناً في عدوك، ترصد محاولات صريحة لـ»تمييع» خطابه المعتاد، وتحويره من خطابات تصعيد إلى نوعيات من الخطب التي تدعي وجود نوع من القلق والخوف على المنطقة، فاعلم بأن هناك أمراً مريباً استدعى تغيير نمطية الخطة.

اليوم أي منافذ وثغرات متاحة للتغلغل الإيراني بداخلنا هي فرصة لنظام خامنئي، محاولة تشتيت الأنظار عن الواقع هي استراتيجية من استراتيجيات الحرب، بل محاولات إذكاء النار وصب الزيت هي ما تركز عليه اليوم طهران.

كثيرون بدؤوا يدركون حجم الخطر الإيراني، ورغم أننا نكرر منذ عقود أن هناك خطراً إيرانياً جسيماً مبنياً على أطماع الخطة الخمسينية الخمينية التي توازي في مقابلها «برتوكولات حكماء صهيون»، فإن البعض كان يقلل من هذا الشأن، ويرى في إيران جارة سوء وليست عدواً، واليوم باتت الصورة أوضح، خاصة حينما يجمع العالم أو غالبيته على أن نظام ظهران يمثل «رأس الحربة في الإرهاب العالمي».

نرصد خطابات طهران، فنراها تتباين اليوم، بعد أن كانت غالبيتها تصب في اتجاه واحد يستهدف الخليج العربي ودوله، والبحرين تأتي في المقدمة بسبب عوامل عديدة على رأسها النجاح في تجنيد العملاء والخونة وبائعي الأوطان، نجد اليوم نوعاً آخر من الخطابات التي تحاول إيهام العالم بأن إيران قلبها على جيرانها دول الخليج، وأنها تسعى للسلام العالمي، وأنها دولة تمثل نموذجاً للديمقراطية والحريات، بينما أرقام وإحصائيات المنظمات الدولية تفيد بأن إيران تتصدر قائمة الدول الممارسة للتعذيب والقتل والإعدام بلا محاكمات وانتهاك حقوق الأقليات، وأن حقوق الإنسان مجرد «فنتازيا» يدعي بعض موالي إيران وجودها عند نظام الملالي.

حتى العراق الذي «باعه» أوباما لإيران، باتت أطراف عديدة فيه تدرك حجم الخطر الإيراني لو نجح في ابتلاع العراق بأكمله. قبل سنوات عدة خاض العراق حرباً ضد إيران، انتهت بهزيمة الخميني، لكننا وصلنا لمرحلة اليوم، وجدنا فيها العراق يسقط في يدي إيران بلا حرب.

وعليه فإنه حتى بعض التيارات العراقية باتت تحاول الخروج من تحت الوصاية الإيرانية، بعضها كانت له مواقف متوازية مع الإيرانيين فيما يتعلق بالخليج العربي ودوله، لكن تصحيح المسارات بات واضحاً، خاصة مع الإدراك بأن المضي فيما تسعى له إيران، يعني في النهاية طمس الهوية العربية، وإنهاء الخليج العربي، فالموالون العرب لإيران بداخل العراق وغيرها من دولنا، عليهم أن يسارعوا لإدراك حقيقة دورهم في هذه الحرب، هم ليسوا سوى أدوات تساعد في تحقيق الهدف الأكبر، وبعدها إن سيطرت إيران، فإن العدو والمحتل أو ما يقوم به، هو التخلص ممن هم عبء عليه، من خدموه وخانوا أوطانهم وباعوها.

اليوم تناور إيران بأسلوبين في حربها على الخليج العربي بالوكالة، هناك خطاب صريح واضح وعدائي، وهناك خطاب ناعم يسعى لإيهام العالم بعكس حقيقة نظام خامنئي، ويهدف للدخول في الأطراف والشقوق بين الكيانات الأخرى.

حينما يضحك لك عدوك الذي طالما حاربك فجأة، لا تظنن أنه يعلن توبته، بل اعرف أنه غير استراتيجيته، وبات يلعب اللعبة بطريقة أكثر دهاء وخبثاً.