من يزور الصين قد يجد ما يسره، ويسلب خياله، ويكون شاغله الأكبر المقارنة بين مآلات الأوضاع في دولته والصين. ومن يحالفه الحظ، ويكون ضمن مجموعة من الباحثين الشباب من مختلف دول العالم، ستتسع معه المقارنة تلقائياً. حالفني الحظ وزرت الصين ضمن برنامج للباحثين الشباب المهتمين بالشؤون الصينية. زرنا العديد من الأماكن منها بكين وليوا وجانجو وجانجو الجديدة وغيرهم. ماذا وجدنا في الصين؟ سأتحدث في هذا المقال عن دروس وعبر من خلال زيارتي كباحث إلى الصين، وهي:

أولاً: استقبال حافل: وجدنا استقبالاً حافلاً بابتسامة وترحيب من المطار وحتى وصولنا الأماكن التي سنزورها. وجدنا في الجامعة استقبالاً ممتازاً من الأساتذة والعلماء والطلاب أيضاً. يعلمون جيداً مواعيد القدوم من المطار، ستجدهم ينتظرونك مهما تأخرت بابتسامة وترحيب غير معتاد.

ثانياً: تعاون واستعداد وترحيب بالمزيد من التعاون: قبل السفر وأثناؤه وبعد الوصول سواء للمطار أو للأماكن المخطط زيارتها. فأنت تطلب وثق أن طلباتك ستتحقق في الصين. فتجد في المطار من يسألك إن كنت تحتاج مساعدة، حتى ولو لم يعرف الإنجليزية، فيستخدم هاتفه المحمول وبما يحتويه من برامج ترجمة، فيكتب لك بالصينية ويترجمها للإنجليزية، ويدعوك للكتابة بالإنجليزية ليترجمها إلى الصينية، كل ذلك من أجل مساعدتك وبلا مقابل. بل قد يدعوك لتناول بعض المشروبات على نفقته الخاصة، ويغضب إن عرضت عليه تحمل التكلفة.

ثالثاً: تطوع حقيقي وبلا مقابل: وجدت متطوعين ومتطوعات شباب وفتيات على أعلى مستوى من الثقافة والرقي والتعاون والترحيب، دون كلل أو ملل. وجدت مارك وجول وإيمي وكلير ووسالي وبيني وغيرهم كثير. وبالمناسبة هذه الأسماء ليست صينية وإنما أسماء إنجليزية يطلقونها على أنفسهم، لتسهيل التعاون مع الزائرين المتحدثين باللغة الإنجليزية.

رابعاً: دكاترة ومدرسون في الجامعات بلا تكلف أو تكبر: فلم أجد من الدكاترة أو المدرسين إلا التعاون والحرص عليه، ولن تشعر بفارق بينك وبينهم، فهم علماء بحق في تخصصهم، الابتسامة لا تغيب عن وجوههم مهما تكبدوا مشقة معك أو من أجلك. إطلب المساعدة، وستنفذ فوراً لك.

خامساً: بنية تحتية جبارة: من سيزور الصين سيجد من نزوله المطار بنية تحتية جبارة بحق، داخل المطار تجد ملامحها، وترصدها بعينيك خارج المطار سواء في الشارع أو الأماكن المخطط لك زيارتها، من كباري وشوارع وأنفاق.

سادساً: نظافة بلا حدود: إن زرت الصين ستبحث عن أي أوراق شجر أو ورق أو مناديل في الشوارع أو الحدائق أو الجامعات أو الأماكن العامة أو المزارات التي ستزورها فلن تجد. وجدت حرصاً شديداً على النظافة في كافة الأماكن، حتى الزراعية منها، وأمام الورش والمحلات والعمارات.

سابعاً: توافر النقل والمواصلات: سترى في المترو ما يسرك، من نظام ونظافة وتعاون معك، وانضباط في حركة الخطوط رغم تعددها. فضلاً عن وجود حواجز في المحطات بين عربات المترو والرصيف، مع وجود أبواب في تلك الحواجز. أما السكك الحديدية ومحطاتها، فذات مظهر حضاري كبير، وتقريباً ذات طابع واحد. إن حالفك الحظ وركبت القطار السريع فسترى خدمة كخدمة الطائرة، وانضباط في الحركة وتحرك ووصول قبل الموعد المحدد سلفاً. وسرعته قرابة 360 كيلواً / ساعة ولن يزعجك صوته أو سرعته مطلقاً. كما لن ترى الرصيف إلا عندما يأتي موعد رحلتك، وعندما تنزل الرصيف، ستجد مكتوب عليه تحت قدميك أرقام العربات والمقاعد، ليقف الجميع صفاً واحداً أمام كل باب، دون تزاحم أو تدافع. أما عن المواصلات العامة فهي كثيرة في الشوارع ما بين المكيف وغير المكيف، الخدمة منضبطة بلا تأخير. كما أن مظهرهم حضاري. فإن بحثت عن أتوبيسات نقل عام متهالكة فلن تجد أو بها أي شكل من أشكال القمامة فلن تجد، الجميع حريص على الممتلكات العامة، فهي ملك كل مواطن. أما عن التعامل في المطارات الداخلية، فتحدث عن الإستقبال بإبتسامة وترحيب شديد بك، وتفاعل معك، وإستجابة لطلباتك طوال رحلتك على الطائرة، فضلاً عن انضباط الحركة.

ثامناً: المرور بلا زحمة: عندما تسير في الشوارع لا تستغرب وجود حارات للعجل أو الموتوسيكلات وإشارة لهم أيضاً، كما لا تستغرب كمية الكاميرات المعلقة في الشوارع والميادين كافة. كما لا تستغرب إن لم يصادفك وترى رجال المرور، فالانضباط في الشوارع سمة من سمات التحضر في الصين. لن تقف كثيراً في إية إشارة مرور، ما بين أقل من دقيقة ودقيقة، وستتحرك دون انزعاج أو ضيق، رغم كثافة التعداد السكاني التي تجاوزت المليار وربعمائة مليون نسمة. كما لا تستغرب إن ركبت حتى سيارة خاصة ووجدت السائق ملتزم بالسرعة المقررة، وإن قدت أنت السيارة فيدعوك للالتزام بالسرعة المقررة. وإن صادفتك – لا قدر الله- حادثة فإعلم أنها ستنتهي فوراً في دقائق قليلة للغاية، باستخدام الهواتف الذكية والتقاط رقم السيارة وغير ذلك من المشاهد المفرحة.

تاسعاً: تعلم احترام الكبير وتقديره: ففي الصين ستجد أن الكبير له مقام وتقدير كبيران، وحسن إنصات لحديثه. وإقبال على مساعدة الكبير في السن والمقام أيضاً.

عاشراً: أنت عربي فاستقبل ما يسرك: إن عرف الناس أنك عربي في الجامعة أو الشوارع أو المزارات أو المطاعم أو المولات، فستجد ما يسرك، ترحيب وانحناء لك بقدر وطنك. ستجد من يطلب أن يلتقط بعض الصور معك هو وأسرته، وستجد من يستأذنك في قبول هديته لك، فأنت عربي. وستجد من يحدثك عن مصر وحضارتها وقيمتها الإنسانية. سيسألون عن حال مصر وأهلها، ومستقبل العرب ومصيرهم. فليكن ردك بقدر هذه المسؤولية وحبك لوطنك. وللحديث بقية.

* كاتب وأكاديمي مصري